لأن موضوع الهُوية هو سر النجاحات كما أظن، وعليها تُبنى الأسس المستقبلية لأي أمة تسعى لتنويع وتعدد مصادر قوتها، وتشكيل دفاعات قوية تقف في وجه الأيديولوجيا الوافدة. طلال مداح ــ لاتلوموني في هواها ــ موال لا وعينيك وأعظم بالقسم - YouTube. فلمثل هذه الفعاليات يحتاج الإنسان العربي، ليكتب تاريخا مُشرفا وحيّا عن تأصيله لماهية ومعنى الهُوية للأجيال اللاحقة، فالهُوية في النهاية ليست مُركّبا جامدا، بل هي النكهة والملامح الأصيلة للإنسان والمكان وتمازجهما معا. أبها المكان ما زالت تحتفظ بشيء من عذوبتها وردائها الأخضر، ولحن خلخالها الجبلي الأنيق، أقول هذا لأن علاقتي بأبها ممتدة وعميقة. فعلاقتي بهذه المدينة تكمن في شوارعها الضيقة وظلال أشجارها وبنيتها ونكهتها التاريخية، تماما كما تحتفظ كثير من مدن العالم السياحية بتصميمها وروحها وألوانها، وتحمي ذاكرتها وهُويتها من الاجتياح الأسمنتي الشاحب الوجه، وعلى أبها أن تعبر عن نفسها من خلال كل ما تقع عليه العين في كل اتجاه، من رائحة الشيح وتغلغل الضباب في الجسد. فالإنسان في عسير يضع بصمته دائما في كل محفل، وأبها تتماها وتنجح دائما، هذا ما لمسته وعاصرته شخصيا، وما زال لأبها وعسير في قلبي متسع من الحب والذكريات، حتى وإن اتهمت بحب إنسانها وأرضها، فيالها من تهمة لا أنفيها وشرف أدّعيه، فلا تلوموني في هواها.
بعد عدة سنوات وتحديدا 1998، عدت مجددا إلى أبها بدعوة من لجنة عسير للتنشيط السياحي، وكانت عسير كلها تغني وتتراقص طربا، على عبقرية صوت طلال مداح و"شفت أبها"، وعذوبة محمد عبده صادحا "مثل صبيا في الغواني ما تشوف"، عسير تلك أعادت لمسرح الأغنية والفن في السعودية توهجه وعظمته، فكانت أبها مقصد العشاق والمحبين. أتذكر أحدهم على البوابة يصرخ بأعلى صوته "أقسم بالله إني جاي من الكويت علشان طلال مداح ومحمد عبده وأبها"، كدت أن أتخلى له عن تذكرتي لولا أنه حصل على تذكرة من أحد المنظمين. عام 1998 ميلادية كان عاما مشهودا في عسير، دشن لقرابة عقد كامل من البهاء العسيري. قبل أيام كررت أبها نجاحات عسير كعادتها، وهذه المرة على مستوى الوطن العربي، باستضافتها مؤتمرا عربيا تحت مظلة نادي أبها الأدبي العريق عن "الهوية والأدب"، الذي تُحسب له ولإدارته هذه الفعالية النوعية، وقد افتتحه الأمير فيصل بن خالد. أبناء وبنات أبها كرروا التميز، تنظيما وترتيبا وإقناعا بقدرات إنسانها وعبقريته، ووقّعت المرأة العسيرية الشاهقة وثيقة الإبداع التاريخية، لأن النجاح في عسير عادة، نعم النجاح في عسير عادة. لا تلوموني في هواها (بالصور) - عالم حواء. أبها تستضيف "ملتقى الهُوية والأدب"، وكأنها تستشعر الحاجة إلى إعادة اكتشاف منابع تشكيل هُويتنا فكريا وحضاريا، وتستعيد تفاصيل مكوناتها ضمن سياقات تاريخية وأدبية ومثيولوجية أيضا، الزمان والمكان والثقافة، وتفتح بشجاعة الباب واسعا على مصراعيه لما كان يعتبر محل ريبة، فموضوع الهُوية شائك بقدر أزمتنا معها، والفجوة الفكرية العميقة على صعيد فهمنا لماهية وكيفية بناء المنجز الحضاري، وتحقيق الوعي القانوني والحقوقي الإنساني، الذي ما زلنا متأخرين على مستوى التماهي معه.
غير مطروح مساء السبت الماضي، كانت شرفات قلوب الأبهاويين تطل على مساحات واسعة من الود والحب والنقاء والاخضرار، وكان الوجوم ينزوي في ركن قصي مظلم، هو أجدر به، وكان الأبهاويون يتذوقون الطعم الحقيقي لمدينتهم المدنية بامتياز. ليلة اجتمع فيها أكثر من ألف شخص من أهالي أبها رجالا ونساء، على اختلاف انتماءاتهم المناطقية والقبلية، وعلى اختلاف توجهاتهم الفكرية، وعلى اختلاف طرائق تفكيرهم فيما هو كائن، وطرائق استشرافهم لما سيكون، إلا أن لهم قلوبا لا تتمايز أو تختلف حول حب مدينتهم، وشعورهم أنها القاسم المشترك الذي يتحتم عليهم أن يتحلقوا حول ضوئه.. اجتمعوا ليقولوا لأنفسِهم: "أبها تجمعنا"، دون أن تكون لهم أهداف سوى اللقاء، فانهمر عليهم غيث الذكريات، وتقاطرت على أرواحهم أناشيد الجمال التي تظهر وتظهر كلما أُريد لها أن تغيب.. لا تلوموني في هواها .. قبل ما تشوفوا بهاها - ساحات وادي العلي. تظهر لأنها وطن وأهل وسكن وحياة. اجتمعت نساء ورجال أبها في فندق قصر أبها، لا ليتحاوروا حول شيء، ولا ليؤدوا واجبا رسميا، ولا ليبحثوا عن منافع لهم، وإنما ليقتفوا أثر الحب بينهم، وينشروا ما خفي من حسن مدينتهم المتجدد بهم، كلما آبت إليها طيورها، وكلما حنت آذان أهلها إلى ترانيم من أناشيد الجبل المغرور بابنته الفاتنة.
مدينة أبها هي مدينة سعودية, وهي المقر الإداري لمنطقة عسير, حيث يوجد بها مقر الأمارة وفروع الوزارات. تقع على جبال السروات في أقصي الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية, ويجاورها من الشرق والشمال الشرقي محافظة خميس مشيط, ومن الشمال الغربي محافظة النماص, ومن جهة الغرب والجنوب الغربي محافظة محائل. تعتبر مدينة أبها بسبب موقعها الجغرافي والوفرة النسبية التي تتمتع بها من الغطاء النباتي وكمية الأمطار بالإضافة إلى اعتدال المناخ واحدة من أهم المصايف في المملكة العربية السعودية, وبسبب ارتفاعها الكبير عن سطح البحر فإنها تسمى أيضاً عروس الجبل. تبلغ مساحة أبها حوالي 5000 هكتار وترتفع عن سطح البحر بما لا يقل عن 2200 متر, وهي تشغل منطقة أشبه ما تكون بالحوض إذ تحيط بها الجبال من أغلب الجهات ما عدا الجهة الشمالية والشمالية الشرقية حيث تقع محافظة خميس مشيط. بصفة عامة يمكن القول أن مناخ أبها بارد شتاءً معتدل صيفاً, فغالباً ما تكون درجة الحرارة في الصيف معتدلة فلا تزيد على 30°م, أما في فصل الشتاء فإن المناخ يكون بارداً غير أن درجة الحرارة لا تتدنى عن أقل من 5°م. يقدر عدد سكان مدينة أبها والقرى والمركز التابعة لها بحوالي 400000 نسمة يوجد أغلبهم في مدينة أبها ويتوزع الباقون على المراكز التابعة لها وهي خمسة مراكز: السُّودَة, الشًّعَف, طَبَب, حِجْلا (مدينة سلطان), مَرَبَة, ويتبع هذه المراكز قرابة 427 قرية.
أحتفظ في مجلسي بصورة فوتوغرافية لي عمرها 22 عاما وأنا في مدينة أبها، أحضر فعاليات ملتقى أبها الثقافي في عام 1414 - 1994، وأحتفظ في أرشيفي الصحفي بخبر نشر في ملحق الثقافة بصحيفة الرياضية جاء فيه "القاص سلطان منقر، صعد إلى المنصة لاستلام جائزته وهو يتوكأ على الشاعر صالح الديواني". قبل هذا الخبر بأقل من 24 ساعة، حدث موقف طريف مع سمو الأمير خالد الفيصل، كان أبطاله سلطان وأنا، إذ صادف خروج موكب الأمير من معرض الفن التشكيلي في قرية المفتاحة، جلوسي في الممر لشد الرباط على ربلة ساق سلطان، وفجأة سمعت صوتاً أنيقاً: "السلام عليكم". قلت وعليكم السلام، ولم ألتفت، لكن صديقي كان مواجها فقال: وعليكم السلام سيدي صاحب السمو. فانتفضت واقفا، وسلمت على سموه، فقال: ما شاء الله، أنتم أخوان؟ فقلت: أصدقاء سيدي. فقال: سلامات، تبون خدمة أو ناقص عليكم شيء؟ قلت: شكرا لك سيدي. فغادرنا ومضى موكبه. وفي مساء ذلك اليوم، فوجئ الأمير خالد الفيصل بصعودنا منصة مسرح الإنتركونتنينتال لاستلام الجائزة الأولى للقصة، فاستوقفنا للحديث مرة أخرى وهو يشد على يدي، وكانت تلك لحظات تاريخية. يومها لأول مرة أكون ضيفا على ملتقى ثقافي، وأشاهد فعالية بكل ذلك التنظيم والدقة.
هذا الانتقال الى الطائف، زاد من تسليط الضوء على الفن الغنائى الحديث الذي بدا يتشكل فالطائف المأنوس، المدينة التي رافقت بأنشطتها و حيويتها تغييرات المجتمع السعودي المعاصر. وهكذا فإن صاحب الحنجره الذهبية،ولد فاغسطس و رحل فالشهر نفسة بعد ستين عاما و سته ايام. ومنذ صباة تعلم العزف على اله العود و غيرة من الآلات الموسيقية، وأبدي رغبه كبار فتطوير موهبتة و قدرتة فالعزف اضافه الى الغناء مجالة الأول. وفى الستينيات، شارك ففلم سينمائى مع الفنانه صباح، ومثل فمسلسل تلفزيونى عنوانة "الأصيل"، ومع انتشار اغنياتة و حفلاته، شقت الأغنيه السعودية مسارا جديدا، ومن طائف الأنس اطلق ابو عبد الله كما يعرف عند محبيه اغانية العذبة، وشارك بجمال صوتة و بهاء اطلالتة فتلوين حياة السعوديين و قطاع كبير من الأشقاء العرب. ظهرت اغنيتة الأولي "وردك يا زارع الورد" فالعام 1959م، ومنذ هذا التاريخ، سيصل الورد الى المحبين، مما جعلة يشق كيفية بثبات، ليستحق لقب "صوت الأرض"، كما استحق الألقاب: "قيثاره الشرق" و "فارس الأغنيه السعودية" و "فيلسوف النغم الأصيل" و "زرياب" أطلقة عليه الموسيقار محمد عبد الوهاب و "أستاذ الجميع" أطلقة عليه المطرب محمد عبده).
هذا الانتقال إلى الطائف، زاد من تسليط الضوء على الفن الغنائي الحديث الذي بدأ يتشكل في الطائف المأنوس، المدينةِ التي رافقت بأنشطتها وحيويتها تغييرات المجتمع السعودي المعاصر. وهكذا فإن صاحبُ الحنجرة الذهبية، ولد في أغسطس ورحل في الشهر نفسه بعد ستين عاماً وستة أيام. ومنذ صباه تعلّم العزف على آلة العود وغيره من الآلات الموسيقية، وأبدى رغبة كبيرة في تطوير موهبته وقدرته في العزف إضافة إلى الغناء- مجاله الأول. وفي الستينيات، شارك في فِلْم سينمائي مع الفنانة صباح، ومثّل في مسلسل تلفزيوني عنوانه "الأصيل"، ومع انتشار أغنياته وحفلاته، شقّت الأغنية السعودية مساراً جديداً، ومن طائف الأنس أطلق أبو عبدالله -كما يُعرف عند محبيه- أغانيه العذبة، وشارك بجمال صوته وبهاء إطلالته في تلوين حياة السعوديين وقطاع كبير من الأشقاء العرب. ظهرت أغنيته الأولى "وردك يا زارع الورد" في العام 1959م، ومنذ ذلك التاريخ، سيصلُ الورد إلى المحبين، مما جعله يشقّ طريقه بثبات، ليستحق لقب "صوت الأرض"، كما استحق الألقاب: "قيثارة الشرق" و"فارس الأغنية السعودية" و"فيلسوف النغم الأصيل" و"زرياب" (أطلقه عليه الموسيقار محمد عبدالوهاب) و"أستاذ الجميع" (أطلقه عليه المطرب محمد عبده).