حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا عبد الرحمن ، قال: ثنا سفيان ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى ، قال: لما نزلت هذه الآية ( لمن شاء منكم أن يستقيم) قال أبو جهل: الأمر إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله: ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين). حدثني ابن البرقي ، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد ، عن سليمان بن موسى ، قال: لما نزلت هذه الآية: ( لمن شاء منكم أن يستقيم) قال أبو جهل: ذلك إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله: ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين). آخر تفسير سورة ( إذا الشمس كورت)
و الخطاب في قوله: منكم} للذين خوطبوا بقوله: { فأين تذهبون} [ التكوير: 26] وإذا كان القرآن ذكراً لهم وهم من جملة العالمين كان ذكر: { لمن شاء أن يستقيم} من بقية العالمين أيضاً بحكم قياس المساواة ، ففي الكلام كناية عن ذلك. وفائدة هذا الإِبدال التنبيه على أن الذين تذكروا بالقرآن وهم المسلمون قد شاؤوا الاستقامة لأنفسهم فنصحوا أنفسهم ، وهو ثناء عليهم. وفي مفهوم الصلة تعريض بأن الذين لم يتذكروا بالقرآن ما حال بينهم وبين التذكر به إلا أنهم لم يشاؤوا أن يستقيموا ، بل رضوا لأنفسهم بالاعوجاج ، أي سوء العمل والاعتقاد ، ليعلم السامعون أن دوام أولئك على الضلال ليس لقصور القرآن عن هديهم بل لأنهم أبوا أن يهتدوا به ، إما للمكابرة فقد كانوا يقولون: { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب} [ فصلت: 5] وإما للإِعراض عن تلقيه: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} [ فصلت: 26]. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة التكوير - الآية 28. والاستقامة مستعارة لصلاح العمل الباطني ، وهو الاعتقاد ، والظاهري وهو الأفعال والأقوال تشبيهاً للعمل بخط مستقيم تشبيهَ معقول بمحسوس. ثم إن الذين لم يشاءوا أن يستقيموا هم الكافرون بالقرآن وهم المسوق لهم الكلام ، ويلحق بهم على مقادير متفاوتة كل من فرط في الاهتداء بشيء من القرآن من المسلمين فإنه ما شاء أن يستقيم لما فَرَط منه في أحوال أو أزمان أو أمكنة.
( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) ثم قال: ( لمن شاء منكم أن يستقيم) وهو بدل من العالمين ، والتقدير: إن هو إلا ذكر لمن شاء منكم أن يستقيم ، وفائدة هذا الإبدال أن الذين شاءوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر ، فكأنه لم يوعظ به غيرهم ، والمعنى أن القرآن إنما ينتفع به من شاء أن يستقيم ، ثم بين أن مشيئة الاستقامة موقوفة على مشيئة الله. ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) أي إلا أن يشاء الله تعالى أن يعطيه تلك المشيئة ، لأن فعل تلك المشيئة صفة محدثة فلا بد في حدوثها من مشيئة أخرى فيظهر من مجموع هذه الآيات أن فعل الاستقامة موقوف على إرادة الاستقامة. وهذه الإرادة موقوفة الحصول على أن يريد الله أن يعطيه تلك الإرادة ، والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء ، فأفعال العباد في طرفي ثبوتها وانتفائها ، موقوفة على مشيئة الله وهذا هو قول أصحابنا ، وقول بعض المعتزلة إن هذه الآية مخصوصة بمشيئة القهر والإلجاء ضعيف ؛ لأنا بينا أن المشيئة الاختيارية شيء حادث ، فلا بد له من محدث فيتوقف حدوثها على أن يشاء محدثها إيجادها ، وحينئذ يعود الإلزام ، والله أعلم بالصواب.
و { ما} نافية ، والاستثناء من مصادر محذوفة دل عليها قوله: { إلا أن يشاء اللَّه} وتقدم بيان ذلك في سورة الإنسان. وفي هذه الآية وآية سورة الإنسان إفصاح عن شرف أهل الاستقامة بكونهم بمحل العناية من ربّهم إذا شاء لهم الاستقامة وهيأهم لها ، وهذه العناية معنى عظيم تحير أهل العلم في الكشف عنه ، فمنهم من تطوح به إلى الجبر ومنهم من ارتمى في وهدة القدر ، ومنهم من اعتدل فجزم بقوة للعباد حادثة يكون بها اختيارهم لسلوك الخير أو الشر فسماها بعض هؤلاء قدرة حادثة وبعضهم سماها كسباً. وحملوا ما خالف ذلك من ظواهر الآيات والأخبار على مقام تعليم الله عبادَه التأدب مع جلاله. وهذا أقصى ما بلغت إليه الأفهام القويمة في مجامل متعارض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ومن ورائه سلك دقيق يشُدّه قد تقصر عنه الأفهام. إعراب القرآن: «وَما» الواو حالية «ما» نافية «تَشاؤُنَ» مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة حال و«إِلَّا» حرف استثناء «أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» مضارع منصوب بأن ولفظ الجلالة فاعله «رَبُّ الْعالَمِينَ» بدل مضاف إلى العالمين والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر بالإضافة لظرف زمان. التقدير وقت أن يشاء اللّه. English - Sahih International: And you do not will except that Allah wills - Lord of the worlds English - Tafheem -Maududi: (81:29) but your wishing will not avail unless Allah, the Lord of the Universe, so wishes.
قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لِمَن شاءَ مِنكُمْ﴾ بَدَلٌ مِنَ العالَمِينَ بَدَلُ بَعْضٍ مِن كُلٍّ، والبَدَلُ هو المَجْرُورُ وأُعِيدَ مَعَهُ العامِلُ عَلى (p-62)المَشْهُورِ، وقِيلَ: هو الجارُّ والمَجْرُورُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ بَدَلَ كُلٍّ مِن كَلٍّ لِإلْحاقِ مَن لَمْ يَشَأْ بِالبَهائِمِ ادِّعاءً وهو تَكَلُّفٌ.
وقال تعالى: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله. وقال تعالى: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء والآي في هذا كثير ، وكذلك الأخبار ، وأن الله سبحانه هدى بالإسلام ، وأضل بالكفر ، كما تقدم في غير موضع. ختمت السورة والحمد لله. الطبرى: وقوله: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) يقول تعالى ذكره: وما تشاءون أيها الناس الاستقامة على الحقّ، إلا أن يشاء الله ذلك. وذكر أن السبب الذي من أجله نـزلت هذه الآية، ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى لما نـزلت ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا، فنـزلت: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، قال: لما نـزلت هذه الآية ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل: الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنـزل الله: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد، عن سليمان بن موسى، قال: لما نـزلت هذه الآية: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل: ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنـزل الله: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 29- 30] وقوله: { وَمَا تَشَاءُونَ} نفي لمشيئتهم في المستقبل. وكذلك قوله { إلا أن يشاء الله} تعليق لها بمشيئة الرب في المستقبل، فإن حرف (أن) تخلص الفعل المضارع للاستقبال، فالمعنى: إلا أن يشاء بعد ذلك، والأمر متقدم على ذلك، وهذا كقول الإنسان: لا أفعل هذا إلا أن يشاء الله. وقد اتفق السلف، والفقهاء على أن من حلف فقال: لأصلين غداً، إن شاء الله، أو لأقضين ديني غداً إن شاء الله، ومضى الغد ولم يقضه أنه لا يحنث، ولو كانت المشيئة هي الأمر لحنث، لأن الله أمره بذلك، وهذا مما احتج به على القدرية، وليس لهم عنه جواب، ولهذا خرق بعضهم الإجماع القديم وقال: إنه يحنث. وأيضاً، فقوله: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29] سيق لبيان مدح الرب والثناء عليه ببيان قدرته، وبيان حاجة العباد إليه، ولو كان المراد لا تفعلون إلا أن يأمركم لكان كل أمر بهذه المثابة، فلم يكن ذلك من خصائص الرب التي يمدح بها، وإن أريد أنهم لا يفعلون إلا بأمره كان هذا مدحاً لهم، لا له. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - المجلد الثامن.