وأقول لسلمان سلمت يمينك وعقلك على ما قدمته لوطنك من خلال وضوح الرؤية والسعي الى تحويل التنمية الى مشروعات مخططة مسبقا، ومن ثم متابعة التنفيذ بهمة ودأب واخلاص. فبارك الله لك في العمر والعمل وسدد خطاك واخوتك وسلالاتكم من نسل الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه، وبارك في اعوانكم ومساعديكم، واختم المقال بما بدأته فيه: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) ومن ثم أكرر الشكر لضيفنا العزيز ومرافقيه، والشكر موصول لكل من أسهم في نجاح ذلك الاحتفال المهيب الذي اشاد به كثير من الضيوف من زلفاويين وغيرهم، والحمد لله على ذلك.
وأثناء ذلك التهافت على التبرع الذي وصل مجموعه لجمعية (انسان) وحدها ما يزيد على خمسة وعشرين مليونا من الريالات ما بين تبرعات نقدية وأخرى عينية كالعقار. أثناء ذلك تذكرت ان واحدا من أبناء المحافظة (هداه الله) كان يقلل من درجة اسهامات المواطنين في تطوير محافظتهم ثم تلفت حولي يومها في محاولة لمعرفة ما اذا كان موجودا ليرى بأم عينه ويسمع بكلتا أذنيه ما كان يعلن اثناء الحفل المهيب الذي يجمع ما بين الفرحة بالضيف الكريم، وما سوف تجنيه تلك المحافظة (والتجمع الذي صاحبها) من خير وفير.. يومها تذكرت الجملة الشهيرة التي وردت في الأثر: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله). أما لماذا تأخرت في كتابة هذه المقالة فذلك لانني عزمت على ألا أكتب شيئا إلا اذا تأكدت من صحة مجموع التبرعات التي اعلنت من خلال استلامها، ومن ثم كنت اتابع ما اعلن من تبرعات، وما وصل من ذلك المعلن فعلا الى الجمعية لكيلا اظلم او اظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة. هذا التسابق من أبناء المحافظة على التبرع لمشروعاتها التنموية دفع بي الى البحث عن المناسبات السابقة لهذا التجمع الخيري الكبير فوجدت ان ما يقرب من ثمانين مليون ريال جرى تقديمها من قبل أبناء المحافظة حاضرهم، ومن يقيمون خارجها من أبنائها، وذلك مبلغ لا يستهان به، بل انه يعد اساسا قويا يسند الاسهامات التي قدمتها الدوائر الحكومية من موازنة الدولة سنويا للمحافظة اسوة بما يقدم للمحافظات والمراكز الأخرى في انحاء المملكة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر". وشكر الناس من شكر الله وهو من مكارم الأخلاق دلالة على الاعتراف بالجميل ، [ فعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل. ف على المرء أن يكافيء كل من قدم له معروفا بالشكر والتقدير والإعتراف بالجميل وعليه أن ينشيء أبناؤه ويحثهم ويعلمهم ويؤدبهم على هذه الخصلة الجميلة ألا وهي " الشكر " على القليل والكثير.
وفي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -: • ((مَن أتى إليكم معروفًا، فَكافئوه، فإنْ لم تَجدوا، فادْعوا له)) [7]. • ((مَن أعطى شيئًا فوجَد، فليَجزِ به، ومَن لم يجد، فليُثنِ به، فإنَّ أَثنى به، فقد شكَره، وإنْ كتَمه، فقد كفَره، ومن تَحلَّى بما لَم يُعطِ، فإنَّه كلابس ثَوبَي زُورٍ)) [8]. • ((مَن أُولِي مَعروفًا، فليَذكُره، فمَن ذكَره، فقد شكَره، ومَن كتَمه، فقد كفَره)) [9]. • ((مَن صُنِع إليه معروفٌ، فقال لفاعله: جَزاكَ الله خيرًا، فقد أبلَغ في الثناء)) [10].
وفي رواية لهذا الحديث: ((أَشْكرُ الناس لله، أَشكرُهم للناس)) [3]. قال المناوي: "أشكرُ الناس لله تعالى؛ أي: مِن أكثرهم شكرًا له، (أشكرهم للناس)؛ لأنَّه - سبحانه - جعَل للنِّعم وسائطَ منهم، وأوجَب شكْرَ من جعَله سببًا لإفاضتها كالأنبياء والصحابة والعلماء، فزيادة العبد في شكرهم، زيادة في شكْر ربِّه؛ إذ هو المُنعِم بالحقيقة، فشكْرهم شكْره، ونِعَم الله منها بغير واسِطة كأصلِ خِلقته، ومنها بواسطة، وهي ما على أيدي الناس، فتَتقيَّد بشكْرِهم ومكافأتِهم؛ ففي الحقيقة قد شَكَر المُنعِم بإيجاد أصل النعمة، ثم بتسخير الوسائط. قال بعض العارفين: "لو علِم الشيطان أن طريقًا تُوصِّل إلى الله أفضلُ من الشكر، لوقَف فيها، ألا تراه قال: ﴿ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]، ولم يَقل: لا تَجدُ أكثرهم صابرين، أو نحوه [4]. وقال ذو النون المصري - أبو الفيض -: "الشكر لِمن فَوقكَ بالطاعة، ولِنظيرك بالمُكافأة، ولمن دونَك بالإحسان والإفضال" [5]. وقال أبو حاتم: "الواجب على من أُسدِي إليه معروف، أنْ يَشكُره بأفضلَ منه أو مِثله؛ لأنَّ الإفضال على المعروف في الشكر، لا يقوم مقام ابتدائه وإنْ قَلَّ، فمَن لم يَجِد، فليُثنِ عليه؛ فإنَّ الثَّناء عند العدم، يقوم مقامَ الشكر للمعروف، وما استغنى أحدٌ عن شكْر الناس"، وقال أيضًا: "الحرُّ لا يَكفُر النعمة، ولا يَتسخَّط المصيبة، بل عند النِّعم يَشكُر، وعند المصائب يَصبِر، ومن لَم يكن لقليل المعروف عنده وقْعٌ، أَوشكَ ألا يَشكُر الكثير منه، والنِّعم لا تُستجَلب زيادتُها، ولا تُدفَع الآفات عنها، إلا بالشكر لله - جل وعلا - ولمن أَسْداها إليه" [6].