قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فالنَّاس يتبايعون كيف شاؤوا ما لم تُحَرِّم الشريعة، كما يأكلون ويشربون كيف شاؤوا ما لم تُحَرِّم الشريعة"؛ [مجموع الفتاوى (١٢/ ١٧)]. الوقفة الثالثة: في دلالة الآية على أن الحلال كثير، وهو الأصل في المعاملات، وأن الحرام معدود ومحصور؛ ولذلك لمَّا أراد الله سبحانه أن يبين الحلال قال: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾، ولم يفرق بين بيع وآخر، ولم يقل: أحل الله بيع البيوت، ولا بيع الدواب، ولا بيع الأطعمة، ولا الأكسية، ولا الأغذية، ولكن قال: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾، فعمَّم في الحلال، لكن لما أراد أن يحرم قال: ﴿ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾؛ حيث جعل الحلال أكثر من الحرام. (239) قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ..} الآية:276 - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت. الوقفة الرابعة: في دلالة الآية على سماحة الإسلام ويُسْرِهِ، وفضل الله على عباده ورحمته؛ قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: "﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾: أي: لِما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة، وحصول الضرر بتحريمه". الوقفة الخامسة: في دلالة الآية على أن الحلال ما أحلَّه الله، والحرام ما حرَّمه الله تعالى، لا ما تُمليه أهواء البشر عليهم، فإن الله تعالى هو الذي أحل البيع وحرم الربا.
وليبشر من ترك الربا طاعةً لله عز وجل بكل خير, فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه, قد يكون بشيءٍ من جنس المتروك, أو من غيره, ويالها من نعمة عظيمة لو عوضه الله جل جلاله بمحبته, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وقولهم: ( من ترك شيئاً عوضه الله خيراً منه) حق, والعوض أنواع مختلفة, وأجلُّ ما يعوضُ به: الأنس بالله, ومحبته, وطمأنينة القلب به, وقوته, ونشاطه, وفرحه, ورضاه عن ربه تعالى.
أما قوله: ( والله لا يحب كل كفار أثيم) فاعلم أن الكفار فعال من الكفر ، ومعناه من كان ذلك منه عادة ، والعرب تسمي المقيم على الشيء بهذا ، فتقول: فلان فعال للخير أمار به. والأثيم فعيل بمعنى فاعل ، وهو الآثم ، وهو أيضا مبالغة في الاستمرار على اكتساب الآثام والتمادي فيه ، وذلك لا يليق إلا بمن ينكر تحريم الربا فيكون جاحدا ، وفيه وجه آخر وهو أن يكون الكفار راجعا إلى المستحيل والأثيم يكون راجعا إلى من يفعله مع اعتقاد التحريم ، فتكون الآية جامعة للفريقين.
وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ، وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ وَكِيعٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. يمحق الله الربا ويربي. الشيخ: وكل هذا يحثّ المؤمن على الصَّدقة، فلا يحتقرها ولو قليلة، فإنَّ القليلة مع القليلة تنفع الفقير؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح عن عدي بن حاتم: اتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ ، فالقليل مع القليل يكون كثيرًا عند المحتاج. فينبغي للمؤمن ألا يحتقر الصَّدقة ولو قليلة، يتصدّق ويُعوِّد نفسَه الصَّدقة ولو بقليلٍ حتى يتيسر له الكثير، فالله جلَّ وعلا غنيٌّ عن عباده، ولكنَّهم هم الفقراء إليه، هم المحتاجون إلى فضله وإحسانه، وقد ذكرتُ لكم سابقًا حديث عائشة في قصّة المرأة مع بنتيها..... : جاءت إليها امرأةٌ مع ابنتان -كما في البخاري- تشحذ، قالت عائشةُ: فلم أجد إلا تمرتين. وفي روايةٍ: ثلاث تمرات. فأعطت كلَّ واحدةٍ من ابنتيها تمرةً، وأخذت الثالثةَ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها التَّمرة الثالثة، فشقَّتها بينهما نصفين، ولم تأكل شيئًا، قالت: فأعجبني شأنُها، فلما جاء النبيُّ ﷺ فأخبرته فقال: إنَّ الله أوجب لها بذلك الجنّة ، المقصود أنَّ الصَّدقة ولو قليلة فيها الخير الكثير، ولا سيما مع الإخلاص والرحمة.