ووقف المفسرون عند قول الملائكة عندما أخبرهم الله عز وجل بجعل الإنسان خليفة في الأرض: (( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)) ،فقال بعضهم إن الله تعالى أخبرهم بإفساد الإنسان في الأرض وسفكه للدماء ، وقالوا آخرون لقد كان لهم علم من قبل بإفساد الجن في الأرض وسفكهم للدماء وقد سكنوها قبل الإنسان. وقالوا إن قول الملائكة لم يكن اعتراضا على إرادة الله عز وجل ولا حسدا للإنسان ، وإنما كانوا يستطلعون و يسألون عن حكمته سبحانه من خلق من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، فأخبرهم بأنه خلقهم للابتلاء في الحياة الدنيا والجزاء في الآخرة، وأنه سيكون منهم صالحون مصلحون وفاسدون مفسدون ،وبهذا كان الإخبار بالحكمة من استخلاف الإنسان في الأرض وهو ابتلاؤه. تلك الدار الاخره نجعلها للذين. واللافت للنظر في ما أخبر به الله تعالى على لسان ملائكته الكرام هو ذكرهم لفعلين مستقبحين يصدران عن الإنسان وهم الإفساد في الأرض وسفك الدماء. أما الإفساد في الأرض فهو كل فعل لا يرضاه الله عز وجل والذي من شأنه أن يخل بالطبيعة الصالحة التي خلق عليها الأرض ليحيى الإنسان فيها حياة كريمة هادئة مطمئنة ، وأما سفك الدماء فهو قمة الإفساد فيها بحيث يقدم على إزهاق الأرواح من لم يخلقها.
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ | الشيخ محمد صديق المنشاوى - YouTube
وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة، ولهذا قال: { وَالْعَاقِبَةُ} أي حالة الفلاح والنجاح، التي تستقر وتستمر، لمن اتقى اللّه تعالى، وغيرهم -وإن حصل لها بعض الظهور والراحة- فإنه لا يطول وقته، ويزول عن قريب.
ثم ذكَرَ المؤلِّف رحمه الله آياتٍ تتعلق بهذا الباب بيَّن فيها رحمه الله أنها كلها تدل على ذمِّ الكِبر، وآخرها الآيات المتعلقة بقارون. تلك الدار الآخرة نجعلها. وقارون رجل من بني إسرائيل من قوم موسى، أعطاه الله سبحانه وتعالى مالًا كثيرًا، حتى إن مفاتحه لَتنوءُ بالعُصبة أولي القوة؛ أي: مفاتيح الخزائن تثقل وتشق على العُصبة؛ أي: الجماعة من الرجال أولي القوة؛ لكثرتها. { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]، فإن هذا الرجل بطَر والعياذ بالله وتَكبَّر، ولما ذكِّر بآيات الله ردَّها واستكبر { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]، فأنكَرَ فضل الله عليه، وقال: أنا أخذته بيدي وعندي علم أدركت به هذا المال. وكانت النتيجة أنَّ الله خسَفَ به وبداره الأرضَ، وزال هو وأملاكُه، { فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} [القصص: 81، 82].