كما إستخدم الشاعر في هذا المقطع ضمير المتكلم ( أنا) والذي يبرز ذاتية الشاعر وحضوره ، وفي باقي القصيدة برزت ذاتيته من خلال ضمائر متمثلة في حرف الياء العائدة عليه ( خفظت لهم جناحي / فما ساءني …) ، فدل هذا على بذور الخطاب ، فهو يوجه كلامه الى بني هاشم أهل الرسول عليه السلام في قوله ( بني هاشم) فهي لفظة تدل على توجيه الخطاب. ولا ننسى أيضا تقنية الإسترسال أو الاستطراد التي وضفها الشاعر عن طريق تقنية الوصف الذي حملته القصيدة. ومن بين السمات الأسلوبية المهمة نجد الإنزياح déviation ، والذي وصفه كوهن بالإنقطاع " المتمثل في وصل فكرتين لا تتوفران على أية علاقة منطقية بينهما " 3، ويظهر ذلك في البيت التالي: فقد أسند الشاعر لفظة الجناح وربطها بالمودة والتي تمثل شيئا معنويا ، فمن غير المنطقي أن يكون الجناح مودة ؟ فالجناح عادة مايكون مقرونا بالطائر أو الطائرة ، وهنا الشاعر قرنه بلفظة محسوسة لا يمكن تجسيدها ( غير ملموسة) ، وهذا ماجعل اللفظة تتجاوز معناها المعجمي الوارد في لسان العرب ، إلى معنى غير منطقي إفتراضي.
، فأنشد قائلاً: طَِربْتُ ومَا شَوْقاً إلى البيْضِ أَطْرَبُ فقال له الفرزدق: فماذا تطرب يا كميت؟، فرد عليه بتكملة البيت قائلا: وَلَا لَعِبَاً مِنّي أذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ فقال له الفرزدق: بلى! يا كميت، إلعبْ فإنك في لحظة اللعب! فقال له: وَلَمْ يُلْهِنِي دَارٌ وَلا رَسْمُ مَنْزِلٍ.. وَلَمْ يَتَطَرَّبْنِي بَنَانٌ مُخَضَّبُ وعندما سمع هذا البيت قال له الفرزدق: ما الذي يُطرِبُكَ كميت؟، فرد عليه بهذه الأبيات: وَلاَ أنا مِمَّنْ يَزْجرُ الطَّيْرَ هَمُّهُ.. أصَاحَ غُرَابٌ أمْ تَعَرَّضَ ثَعْلبُ وَلَا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً.. أَمَرَّ سَلِيمُ القَرنِ أمْ مَرَّ أعضَبُ. ؟ فقال الفرزدق: أجل، لا تتطير! طربت وما شوقا إلى البيض أطربُ ولا لعبا مني وذو الشيب يلعبُ - منتدى الكفيل. فقال هذا البيت: وَلكنْ إلى أهلِ الفَضَائِلِ وَالنُّهَى وَخيرِ بَنِي حَوَّاءَ وَالخَيْرُ يُطلَبُ فقال: ومن هؤلاء؟ ويحك يا كميت!
فقال له الفرزدق: فيم تطرب يابن أخي؟ فقال: «ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب». فقال الفرزدق: بلى يابن أخي، إلعب فإنك في أوان اللعب، فقال: ولم تلهني دارٌ ولا رسم منزل ولم يتطرّبني بنان مخضب فقال: ما يطربك يابن أخي؟ قال: ولا السانحات البارحات عشية أمر سليم القرن أو مر أغضب؟ فقال: أجل، لا تتطير، فقال: ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى وخير بني حواء والخير يُطلب فقال: ومن هؤلاء ويحك؟ فقال: إلىالنفر البيض الذين بحبهم إلى الله فيما نابني أتقرب قال: أرخي ويحك!
قال أبو عبيدة عن الكميت الأسدي: لو لم يكن لبني أسد الفعل الكريم والمفخرة غير الكميت لكفاهم! ، وقال عكرمة الضبي عن شعر الكميت الأسدي: لولا أن شعر الكميت لم يكن مترجمًا للغات الآخرى؟ لا جتمعت فيه خصال لم تجتمع بشاعر غيره، فكان خطيبًا وفقيهًا وفارسًا وكريمًا وسخيًا، فكان أفضل قومه في رمي الرمح، بني أسد، قال عنه الميداني أيضاً: إن الكميت ثلاثة: الكميت بن ثعلبة، ثم الكميت بن معروف، ثم الكميت بن زيد! ، فكلهم من بني أسد؟.
قد وقع إختياري على الأسلوبية لما لها من رؤية عميقة للنص الأدبي حيث تتناوله بلاغيا وجماليا ودلاليا كما ترمي إلى تخليص النص الأدبي من الأحكام المعيارية ، وبعد الإطلاع على قصيدة " الكميت الأسدي " ، وجدت ما كنت أصبوا إليه. سألج إلى تطبيق أهم الآليات الاجرائية ، والتي أقرها الدارسون ، ومن أبرزهم جعفر العلاق في كتابه " في تحليل الخطاب الشعري "، إذ تتمثل هذه المستويات في (الصوتي / التركيبي / الدلالي): المستوى الصوتي 1/ قبل دراسة البنية الصوتية سأشير إلى شكل القصيدة ، بحيث جاءت على شاكلة القصيدة العربية الماضاوية معتمدة على نظام الشطرين ( صدر / عجز) ، مكونة من (13) بيت ، خالية من أي مواشجة عروضية.