بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: في قصة موسى عليه السلام محطات كثيرة، وقفات وغرائب وعظات، نقف هنا في إحدى تلك المحطات، وهي في لحظة خروج موسى عليه السلام من مصر وتوجهه للشام فراراً من فرعون. بدايةً قال تعالى عن تلك الرحلة (( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ))[القصص:22]. 1. فيه حسن الظن بالله والثقة به سبحانه وتعالى، والأمل في مستقبل الأيام وأنها ستكون أحسن من الماضي. قصة موسى مع فرعون عليه السلام وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام - منتدى قصة الإسلام. ثم قال تعالى: (( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ))[القصص:23]. 2. المعنى العام: وجد موسى عليه السلام مكان فيه ماء ووجد الناس مزدحمين حوله لسقاية مواشيهم الماء، ورأى امرأتين حول هذا المكان وكأنهم يريدون سقاية الماء لمواشيهم ولكنهم لم يخالطوا الرجال. ومعنى " تذودان " أي تحبسان ثم فيه أقوال: الأول: تحبسان أغنامهما واختلفوا في علة ذلك الحبس على وجوه: أحدها: لأن على الماء من كان أقوى منهما فلا يتمكنان من السقي. وثانيها: كانتا تكرهان المزاحمة على الماء.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. تكثر القصص في القرآن بشكل عام وفي كل قصة عبرة، وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، وتحكي قصص القرآن صوراً من صور الصراع القديم بين الحق المؤيد من الله، والباطل المؤيد من الشيطان الذي يلوذ به الملأ والكبراء، خداعاً واستكباراً وحفظاً على الذوات، كما تكشف قصص القرآن عن مواقف المؤمنين وفوزهم، ونهاية الظالمين وخسارتهم.
19. دخل موسى وقص حاله وهمومه على والدها ، وفي هذا درس في أن ذكر الحال ليس من الشكوى المذمومة بل هو من باب إلقاء الأخبار وحكاية الحال للآخرين. وبعد ذلك قال الرجل لموسى: (( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ))[القصص:25]. 20. وفي هذا طمأنة الخائف بالكلمات الإيجابية وزرع التفاؤل في حياته، فموسى غريب في ذلك البلد وهو بحاجة لمجتمع صالح يأنس معه، ويحتاج لشخص يقف بجانبه في غربته. 21. وراء المحن منح وفتوحات ربانية، فموسى خرج خائفاً من فرعون وجنوده وهنا يعيش في بلد الأمن ثم يتزوج، وصدق الله (( سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا))[الطلاق:7]. (( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ))[القصص:26]. 22. هنا طلبت الفتاة من والدها بديلاً لها في معاناة العمل وسقاية الماء حتى لا تختلط بالرجال. قصة نبيّ الله موسى مع نبي الله شعيبٍِ عليهما السلام (1) | موقع سحنون. 23. تربية الفتيات على عدم الخروج من المنزل إلا لحاجة. 24. اختيار العامل القوي الأمين، ولا تكمل الصفة الواحدة منها إلا والأخرى معها. ومضة: القوة والأمانة من أجمل صفات الرجال، والحياء من أجمل صفات النساء. 25. الحكم على الناس بمظاهرهم وأخلاقهم، وفي هذا إشارة إلى أن يحرص المرء أن يكون قدوة في أقواله وأعماله لأن الناس يحكمون عليه ويقيمون دينه وخلقه وشخصيته من خلالها.
وقيل: كانت من آس الجنة ، حملها آدم معه. وقيل في أخذها غير ذلك.
وصمم فرعون وملأه قبحهم الله على التكذيب بذلك كله، حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45].
[ ص: 150] قصة موسى - عليه السلام - ونسبه وما كان في أيامه من الأحداث قيل: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وولد لاوي ليعقوب وهو ابن تسع وثمانين سنة ، وولد قاهث للاوي وهو ابن ست وأربعين سنة ، وولد لقاهث يصهر ، وولد عمران ليصهر وله ستون سنة ، وكان عمره جميعه مائة وثلاثين سنة. وأم موسى يوخابد. واسم امرأته صفورا بنت شعيب النبي. وكان فرعون مصر في أيامه قابوس بن مصعب بن معاوية صاحب يوسف الثاني ، وكانت امرأته آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد فرعون يوسف الأول. وقيل: كانت من بني إسرائيل ، فلما نودي موسى أعلم أن قابوس فرعون مصر مات وقام أخوه الوليد بن مصعب مكانه ، وكان عمره طويلا ، وكان أعتى من قابوس وأفجر ، وأمر أن يأتيه هو وهارون بالرسالة. ويقال: إن الوليد تزوج آسية بعد أخيه ، ثم سار موسى إلى فرعون رسولا مع [ ص: 151] هارون ، فكان من مولد موسى إلى أن أخرج ببني إسرائيل من مصر ثمانون سنة. ثم سار إلى التيه بعد أن مضى وعبر البحر ، وكان مقامهم هنالك إلى أن خرجوا مع يوشع بن نون أربعين سنة ، فكان ما بين مولد موسى إلى وفاته مائة وعشرين سنة. قال ابن عباس ، وغيره ، دخل حديث بعضهم في بعض: إن الله تعالى لما قبض يوسف وهلك الملك الذي كان معه وتوارثت الفراعنة ملك مصر ونشر الله بني إسرائيل لم يزل بنو إسرائيل تحت يد الفراعنة وهم على بقايا من دينهم مما كان يوسف ، ويعقوب ، وإسحاق ، وإبراهيم شرعوا فيهم من الإسلام حتى كان فرعون موسى ، وكان أعتاهم على الله وأعظمهم قولا وأطولهم عمرا ، واسمه فيما ذكر الوليد بن مصعب ، وكان سيئ الملكة على بني إسرائيل يعذبهم ويجعلهم خولا ويسومهم سوء العذاب.
فماذا كان موقف فرعون أمام هذه المفاجأة التي لم تكن في حسبانه؟! لقد أشتد غضبه، وغلت مراجل الحقد في صدره، وانعكست عليه الآمال، واختلطت عليه الأوراق، واحتدم غيظه، وبدأ حملاته المسعورة في الانتقام ممن يخالفه، فقطَع أيدي وأرجل المؤمنين ممن كانوا سحرة من خلاف، ثم صلَبهم على جذوع النخل، وأنزل العذاب والنكال بمن آمن بالله واتبع موسى، وهدد بقتلِ الأبناء واعتقال النساء إذا ظلوا على إيمانهم بالله وكفرهم بفرعون. أيها الإخوة في الله: إن آمال المؤمنين بالله لا تقف لحظةً من اللحظات، وثقتهم بالله هي الرصيد الكبير الذي يملأ قلوبهم ونفوسهم، ولما بلغ السيل الزبى طلب نبي الله موسى -عليه السلام- إلى قومه أن يستخدموا السلاح الفتاك الذي يملكه كل واحد، طلب إليهم اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء بكشف السوء ودفع الضرر، وقال لهم موسى: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128].