روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، إنه ليدني، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء). وعند أحمد في "مسنده" و ابن حبان في "صحيحه"، و الحاكم في "مستدركه" من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ( إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً). يوم عرفة مكانه وأحوال السلف فيه - ملتقى الشفاء الإسلامي. وروى ابن خزيمة و ابن حبان و البزار و أبو يعلى و البيهقي عن جابر رضي الله عنه، مرفوعاً أيضاً: ( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينـزل الله تعالى إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً ضاجِّين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يوماً أكثر عتقاً من النار، من يوم عرفة). وفي مصنف عبد الرزاق من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في حديث الرجلين اللَّذين جاءا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألانه عن أمر دينهم، وكان من جوابه لهما: ( وأما وقوفك بعرفة، فإن الله تبارك وتعالى ينـزل إلى سماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاؤوا شعثًا غبرًا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني، فكيف لو رأوني، فلو كان عليك مثل رمل عالج، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوبًا، غسلها الله عنك).
* ولأن له فضيلة على غيره من الأيام ([7]). ( [1]) ينظر مغني المحتاج (1-446)، الشرح الممتع (6-471). ( [2]) ينظر حاشية ابن عابدين(3-301)، شرح فتح القدير(2-350)، بدائع الصنائع (2-79)، مواهب الجليل(2-401)، الفقه المالكي(2-133)، حاشية الدسوقي(1-515)، المجموع(6-401)، إعانة الطالبين (2-265)، مغني المحتاج(1-446)، المبدع(3-53)، الفروع(3-80)، الإنصاف(3-345).
( [6]) انظر التمهيد (21-158)، المجموع (6-403)، شرح النووي (8-2) المغني (3-58) ( [7]) انظر التمهيد (21-158) بتصرف. ( [8]) انظر المغني (3-58) ( [9]) بدائع الصنائع (2-79) ( [10]) مغني المحتاج (1-446) المجموع (6-402) روضة الطالبين (2-387) ( [11]) مواهب الجليل (2-401). ( [12]) شرح النووي (8-2)، الإنصاف (3-344)، كشاف القناع(2-340)، الفروع(3-82). ( [13]) شرح فتح القدير (2-350) ( [14]) رواه أبو داود (2-326) ورواه النسائي (2-155)، وأحمد (2-446). ( [15]) رواه الترمذي (3-125)وقال:حديث حسن، ورواه أحمد في مسنده (2-47)، ورواه النسائي (2-155)بإسناد فيه مجهول. ( [16]) المجموع (6-403) ( [17]) بدائع الصنائع (2-79) ( [18]) انظر التمهيد (21-164)، مواهب الجليل (2-401) ( [19]) مواهب الجليل (2-401) (([20] انظر زاد المعاد (1-62) ( [21]) رواه أبو داود (2-320)، النسائي في الكبرى (2-155)، الترمذي (3-143) وقال: حديث عقبة حسن صحيح، وأحمد (4-152). ( [22]) التمهيد (21-163). ملتقى الشفاء الإسلامي - حكم صيام يوم عرفة لغير الحاج. ( [23]) انظر حاشية ابن القيم (7-77)
لأن بالحاج حاجة شديدة إلى تقوية جسمه لصعوبة العمل وكثرته في ذلك الموقف وربما ضعف بالصوم فقصر عن بعضه فلذلك كره ([19]). حديث صوم يوم عرفه. واستدلوا أيضًا بأنه يوم عيد لأهل عرفة، كما قال شيخ الإسلام، ولذلك كره لمن هو بعرفة صومه ([20]) ، وقد ورد عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب" ([21]) وأجاب الجمهور عن هذا بقال أبو عمر ابن عبد البر: هذا حديث انفرد به موسى بن علي عن أبيه وما انفرد به فليس بالقوي وذكر يوم عرفة في هذا الحديث غير محفوظ وإنما المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق أيام أكل وشرب ([22]). وبعد فالذي يترجح والله أعلم- ما قاله ابن القيم: الصواب أن الأفضل لأهل الآفاق صومه ولأهل عرفة فطره، لاختياره صلى الله عليه وسلم ذلك لنفسه وعمل خلفائه من بعده بالفطر، وفيه قوة على الدعاء الذي هو أفضل دعاء العبد ([23]). ( [1]) بدائع الصنائع (2-79)، البحر الرائق (2-278)، شرح فتح القدير (2-350) التمهيد (21-164)، المجموع (6-403) روضة الطالبين(2-387) ( [2]) انظر بدائع الصنائع (2-79). ( [3]) المجموع (6-403) ( [4]) الإنصاف (3-344)، الفروع (3-82) ( [5]) التمهيد (21-161)، شرح النووي (8-2).
وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار قال الشافعي: في القديم لو علم الرجل أن الصوم بعرفة لا يضعفه فصامه كان حسنا. واختار الخطابي هذا ([3]) واستحبه إسحاق، واختاره الآجري وحكى الخطابي عن أحمد مثله ([4]) أدلتهم: أما أدلة القول الثاني فقد احتجوا بالأحاديث المطلقة أن صوم يوم عرفة كفارة سنتين. حديث عن يوم عرفه. وقد حمل الجمهور ذلك على أن هذا لمن ليس بعرفة ([5]). كما استدلوا بالآثار الواردة عن السلف فقد ورد أن ابن الزبير وعائشة يصومانه وروى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص فعن الحسن قال: لقد رأيت عثمان بن أبي العاصي يرش عليه ماء في يوم عرفة وهو صائم، وكان إسحاق بن راهويه يميل إليه وكان عطاء يصومه في الشتاء دون الصيف، وورد عنه أنه قال: صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم، قال قتادة: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء ([6]) والإجابة عن ذلك ما قاله ابن عبد البر:جاء عن عمر أنه لم يصم يوم عرفة وهذا عندي على أنه بعرفة لئلا تتضاد عنه الرواية في ذلك، وما ورد عن عطاء، وعثمان ابن أبي العاصي فيحتمل أن يكون بغير عرفة أيضا ([7]). الدليل الثالث: لأن كراهة صومه إنما هي معلة بالضعف عن الدعاء، فإذا قوي عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة ([8]) الدليل الرابع: لما فيه من الجمع بين القربتين ([9]) وأجيب بأن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هو السنة.
يوم عرفة مكانه وأحوال السلف فيه سليمان بن جاسر الجاسر يوم عرفه، وما أدراك ما يوم عرفة؟ يوم عظيم، له من الدين المحل المكين والمنزلة الرفيعة، خصه النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد العناية، وعظيم الرعاية، لما له من الفضائل والمزايا فمنها: 1- أنه يوم أكمل الله فيه الدين وأتم فيه النعمة: قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة:3].