(عظيم الروم أي رئيس الروم) وتُنكرون على أهل الحق احتفالهم بمولد النبيّ، والصلاة على النبيّ عقب اللأذان، وإحداث الطُرُق كالطريقة الرفاعية والقادرية فإذًا أنتم متلونون. فإن قالوا إن معنى من سنّ، من أحيى سُنّة كان فعلها الرسول، فيُقال لهم هذا غير صحيح لأن سنّ في اللغة ليس معناها أحيى فخُبيب بن عديّ لم يُحيي سنة كانت ثم تُركت، فإن قالوا الرسول يعني بقوله من أحيا سُنّة في زمانه أو زمان الخلفاء الراشدين لأنه قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) فالجواب أنّ قوله عليه الصلاة والسلام (من سنّ في الإسلام) ليس مُقيّدًا بعصره وعصر الصحابة، فلِمَ أنتم تريدون تقييد رحْمَةِ الله. فإن قالوا الرسول يقول (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) فالجواب أن هذا من العام المخصوص بالحديث الذي رواه مسلم من طريق عالئشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ) أي مردود، معناه الذي يعمل شيئًا يخالف ما جاء به الرسول فعَمَله هذا مردود، ومن عمل شيئًا يوافق ما جاء به الرسول فهو مقبول، وذلك كإحداث المحاريب المجوّفة والإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة على النبي بصوت المؤذّن عقب الأذان.
وقد روى هذا الحديث أيضًا أبو داوود وابنُ ماجه، وصحّحَه شعيب الأرناؤوط، وقد ورد جزء من هذا الحديث في صحيح مسلم، فحديث كل بدعة ضلالة حديث صحيح بقول جمهور الفقهاء من أهل العلم وقد وردَ من أكثر من طريق وفي أكثر من رواية جميعها تؤكدُ صحة هذا الحديث. أحاديث عن البدعة وردَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدد من الأحاديث التي يحذِّر فيها من شرِّ البدع ومحدثات الأمور، فقد أجمع العلماء على تحريم البدعة لكنهم اختلفوا أحيانًا في بعض الأمور التي اعتبرها البعضُ من البدع، وآخرون لم يعدُّوها من البدع ولم يعتمدوا فقط على حديث كل بدعة ضلالة إنّما استندوا إلى غيره من الأحاديث النبوية، وممّا وردَ من أحاديث عن البدعة ما يأتي: ورد في صحيحي البخاري ومسلم ما روته السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد". وردَ عن جابر بن عبدالله أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أما بعدُ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وإنَّ أفضلَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ أتتْكم الساعةُ بغتةً، بُعِثتُ أنا والساعةُ هكذا، صبحَتْكم الساعةُ ومستْكم، أنا أولى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه، من ترك مالًا فلأهلِه، ومن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا فإليَّ وعليَّ، وأنا وليُّ المؤمنين" ، وغيرها من الأحاديث التي تؤكدُ تحريم البدع ومحدثات الأمور التي تؤدي إلى الضلال، والله أعلم.
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الجماهيرية العربية الليبية، باعثها مستمع من هناك رمز إلى اسمه بالحروف: (ن. ع. ف)، أخونا يسأل ويقول: هناك من يقول: بدعةٌ حسنة، ودليله حديث رسول الله ﷺ: من سن سنة حسنة؛ فله أجرها، وأجر من عمل بها، ومن سن سنةً سيئة؛ فله وزرها ووزر من عمل بها ، وحينما أرد عليهم بقول رسول الله ﷺ: كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار ، فهنا لفظ (كل) شمل البدع كلها، فيردون علي بهذا الحديث، فهل قولهم صحيح؟ وهل هناك تضاربٌ بين هذين الحديثين؟ أفيدونا يرحمكم الله جزاكم الله خيرًا. ما صحة حديث كل بدعة ضلالة ؟ – إسلامنا – للمعلومات والمعرفة الاسلامية. الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فليس بين الحديثين بحمد الله اختلاف ولا تضارب، بل قوله عليه الصلاة والسلام: كل بدعة ضلالة ، كلامٌ عامٌ محكم، يشمل جميع البدع، ولا يستثنى منه شيء، وقد جاء هذا عنه في عدة أحاديث، منها ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر ، قال: كان النبي ﷺ يقول في خطبته: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة ، زاد النسائي رحمه الله: وكل ضلالةٍ في النار ، ومنها ما رواه أبو داود وغيره من حديث العرباض بن سارية ، عن النبي ﷺ أنه قال: إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة ، وهذا عام لا يستثنى منه شيء.
والله أعلم
ومعلوم أن كل إحداث دل على صحته وثبوته دليل شرعي فلا يسمى - في نظر الشرع - إحداثًا ، ولا يكون ابتداعًا ، إذ الإحداث والابتداع إنما يطلق - في نظر الشرع - على ما لا دليل عليه. وإليك فيما يأتي ما يقرر هذه القيود الثلاثة من كلام أهل العلم: قال ابن رجب: " فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه ؛ فهو ضلالة ، والدين منه بريء " جامع العلوم والحكم (2/128).
ورواه أيضاً أبو داود وابن ماجه وصححه شعيب الأرناؤوط وبعضه في صحيح مسلم. ولمزيد من الفائدة عن معنى البدعة وضابطها راجع الفتوى رقم: 631. والله أعلم.
هذه الأحاديث الأربعة إذا تؤملت وجدناها تدل على حد البدعة وحقيقتها في نظر الشارع. ذلك أن للبدعة الشرعية قيودًا ثلاثة تختص بها ، والشيء لا يكون بدعة في الشرع إلا بتوفرها فيه ، وهي: 1- الإحداث. 2- أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين. 3- ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي ؛ بطريق خاص أو عام. وإليك فيما يأتي إيضاح هذه القيود الثلاثة: 1 - الإحداث. والدليل على هذا القيد قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَن أحدث) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وكل محدثة بدعة) والمراد بالإحداث: الإتيان بالأمر الجديد المخترع ، الذي لم يسبق إلى مثله ، فيدخل فيه كل مخترع ، مذمومًا كان أو محمودًا ، في الدين كان أو في غيره. ولما كان الإحداث قد يقع في شيء من أمور الدنيا ، وقد يقع في شيء من أمور الدين ؛ تحتَّم تقييد هذا الإحداث بالقيدين الآتيين: والدليل على هذا القيد قوله صلى الله عليه وسلم: ( في أمرنا هذا). والمراد بـ " أمره " ها هنا: دينه وشرعه. فالمعنى المقصود في البدعة: أن يكون الإحداث من شأنه أن يُنسب إلى الشرع ويضاف إلى الدين بوجه من الوجوه ، وهذا المعنى يحصل بواحد من أصول ثلاثة: الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع. والثاني: الخروج على نظام الدين.