وإذا كان كذلك سلكوا الجواب المركب، فقالوا: أي نص فرض، فإما أن يكون ظاهره يدل على القرب، أو لا يكون ظاهره يدل على [ ص: 359] القرب، فإن كان الأول، لم يكن حمله على ظاهره ممتنعا، ولم يكن صرفه واجبا. وإن كان ظاهره لا يدل على قربه بنفسه، لم يكن أيضا محتاجا إلى الصرف عن الظاهر الذي يسمونه: التأويل، فلا يرد عليهم نقض على التقديرين. فيقال: هذا الحديث إن كان ظاهره قرب الرب بنفسه، فذاك ممكن، فإن لم يكن هذا ظاهره، فلا حاجة إلى صرفه عن ظاهره. ثم كثير منهم يقولون: ليس ظاهره القرب بنفسه، وإنما هو مثل ضربه; لأن جزاءه أعظم من عمل العبد. وأخرج ذلك على وجه المقابلة فقال: « من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا» والذراع ضعف الشبر. من تقرب لي شبرا الخيمة. « ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا» والباع ضعف الذراع. « ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» والهرولة ضعف المشي. قالوا: ومعلوم أن إتيان العبد ربه وتقربه إليه لا يحتاج إلى مشيه، فقد يكون بإيمان وعلم. وهذا قول كثير ممن يفر عن هذا الحديث، ويقول: هذا الحديث معناه ظاهر ليس من أحاديث الصفات.
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم المصدر: صحيح مسلم الجزء أو الصفحة: 2675 حكم المحدث: [صحيح] يقولُ اللهُ: أنا عند ظنِّ عبدِي بِي ، وأنا مَعَه إذا ذكرَنِي ، فإنْ ذكرَنِي في نفسِه ذكرتُه في نفسِي ، وإنْ ذكرَنِي في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ مِنهم ، وإنْ تقرَّبَ إليَّ شِبرًا تقرَّبْتُ إليِه ذِراعًا ، وإنْ تقرَّبَ إليَّ ذِراعًا تقرَّبتُ إليِه باعًا ، وإنْ أتانِي يمشِي أتيتُه هرولةً. قال قتادةُ واللهُ أسرعُ بالمغفرةِ الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني المصدر: صحيح الترغيب الجزء أو الصفحة: 1488 حكم المحدث: صحيح يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا ، تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا ، تَقَرَّبْتُ منه باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. وفي روايةٍ: بهذا الإسْنادِ، ولَمْ يَذْكُرْ: وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا ، تَقَرَّبْتُ منه باعًا.
أنّ أداء فرائضه أحب مما يتقرب إليه المتقربون ثم بعدها النوافل، وأنّ المحب لا يزال يكثر من النوافل حتى يصير محبوبا لله فإذا صار محبوبا لله أوجبت محبة الله له محبة منه أخرى فوق المحبة الأولى فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير محبوبه وملكت عليه روحه ولم يبق فيه سعة لغير محبوبه البتة فصار ذكر محبوبه وحبه مثله الأعلى مالكا لزمام قلبه مستوليا على روحه استيلاء المحبوب على محبه الصادق في محبته التي قد اجتمعت قوى حبه كلها له. في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: « ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها بي يسمع بي يبصر بي يبطش وبي يمشى، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن من يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه ». فتضمن هذا الحديث الشريف الإلهي- الذي حرام على غليظ الطبع كثيف القلب فهم معناه- والمراد به حصر أسباب محبته في أمرين: أداء فرائضه والتقرب إليه بالنوافل.