ومعنى قوله تعالى: "إذا قُمتم إلى الصلاة" أي إذا أردتم القيام لها وأنتم على غير طهارةٍ، مثل قوله تعالى: "فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" النحل:98. أي إذا أردت القراءة، وأما سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فقد جاءت من قوله وفعلهِ عليه الصلاة والسلام ومن ذلك: عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديهِ من إنائهِ فغسلهما ثلاث مراتِ، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديهِ إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسهِ، ثم غسل كل رجل ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفرَ الله له ما تقدم من ذنبهِ" رواه البخاري. ما هي فروض الوضوء: إنّ غسل الأعضاء ثلاثاً هو الوضوء الكامل، ولا يجوز الزيادة على ذلك، وقد جاء الوضوء مرتين ومرةً مرة، والوضوء الواجب مرةً واحدة مستوعبةً جميع أعضاء الوضوء، وفروض الوضوء ستة وهي: 1- غسلُ الوجه: ويكون حدّهُ طولاً من منابت شعر الرأس إلى ما استرسل من اللحيةِ، وعرضاً يكون ما دون الأذنين، والأذنانِ في الوضوء من الرأس فتمسحان وليستا من الوجه فتغسلان، وأن تخليلُ اللحية مستحبٌ، والواجب في غسل الوجه هو غسل ما به المواجهة، فلا يدخلُ في ذلك تخليل اللحية، ويدخل في غسيل الوجه المضمضة والاستنشاق.
حكم تحريك الخاتم عند غسل اليد الخاتم له أحوال ثلاثة: الأولى: أن يكون ضيقاً. الثانية: أن يكون واسعاً. الثالثة: أن يكون وسطاً. فإن كان الخاتم ضيقاً وجب تحريكه عند غسل اليد أو الكف، وهذا الحكم يعم النساء والرجال، فيجب تحريكه للتأكد من وصول الماء إلى العضو، وإن لم يحرك الخاتم لم يصح الوضوء؛ لأن الماء لم يصل إلى جزء من هذا العضو. فروض الوضوء هي - رمز الثقافة. وإذا كان الخاتم وسطاً فلا يجب التحريك لكن يستحب؛ لأنه يغلب على الظن أن الماء يصل إلى العضو إن كان الخاتم وسطاً، أما الخاتم الواسع فلا يجب التحريك كما هو ظاهر. البداءة بغسل اليمين قبل اليسار في غسل اليدين يبدأ باليمين قبل اليسار، والدلالة على ذلك: ديمومة فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان إذا توضأ بدأ باليمين، بل وقال: ( أبدأ بما بدأ الله به)، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
5- الترتيب: فيجب غسل أعضاء الوضوء على الترتيب الذي جاء في آية المائدة، وجاء في فعله عليه الصلاة والسلام في وضوئه فلا يجوز أن يقدم غسل اليدين على غسل الوجه، ولا مسح الرأس على غسل اليدين وهكذا، أما لو غسل اليد اليسرى قبل اليمنى أو الرجل اليسرى قبل اليمنى فإن الوضوء صحيح إجماعاً، وهو بخلاف الأول. 6- الموالاة: وهو أن يُوالي بين الأعضاء في الغسل فلا يغسل بعضها، ثم ينشغل عن الاستمرار في الوضوء، إلّا إذا كان الانشغال لعارض يسير كفتح باب قريب، فإنه لا يؤثر، ويدل لوجوب الموالاة حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمهِ، فأبصر النبي عليه الصلاة والسلام فقال: "ارجع فأحسن وضوءك، فرجع ثم صلّى" أخرجه مسلم. وحديث رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام: "أنّ النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يُصلي وفي ظهره قدمه لمعة قدر الدرهم لم يُصبها الماء، فأمرهُ النبي عليه الصلاة والسلام أن يعيد الوضوء والصلاة" أخرجه أبو داود. ووجه الاستدلال من هذين الحديثين على وجوب المولاة أنّ النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر من أبصر على قدمهِ شيئاً لم يُصبه الماء بغسل ذلك الذي لم يصبه الماء بل أمرهُ بإعادة الوضوء، حتى وإن كانت المولاة غير واجبة كفاه أن يغسل الموضع الذي لم يصبه الماء.
حكم غسل الشعور النابتة في الوجه الشعور النابتة في الوجه هي: شعر الحاجب، والشارب، والعنفقة، والعذار الذي في أصل الوجه الذي هو قريب من أصل الأذن، فنقول: هذه الشعور يجب غسلها ظاهراً وباطناً، يعني: لا بد من إرواء البشرة عند الغسل، فلو غسلها دون أن يروي البشرة التي تحتها لم يصح الوضوء، فلا بد أن تغسل وجهك وتدلك حتى تروي البشرة التي تحت هذه الشعور؛ لأن الله جل في علاه قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6]، والغسل هو: من غسل الظاهر والباطن إلا ما دل الدليل على خلافه. وأيضاً: النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته)، فلا بد من إمساس الماء البشرة. أما اللحية، فالناس فيها على ثلاثة أقسام: حليق، والعلماء يقولون: أمرد، ولا يقولون: حليق حتى لا يقروا بذلك، فيقولون: الناس بالنسبة لشعر اللحية ثلاثة: الأول: أمرد، والأمرد: هو الذي لا ينبت شعر وجهه. الثاني: صاحب لحية خفيفة. الثالث: صاحب لحية كثيفة. أما الأمرد: فباتفاق أنه لا بد أن يروي البشرة لما سبق من الأدلة. وأما صاحب اللحية الخفيفة فقالوا: يجب عليه غسل هذه اللحية ظاهراً وباطناً، وتخليلها في حقه واجب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ غرفة بيده ويخلل اللحية ويقول: ( هكذا أمرني ربي) كما في سنن أبي داود.