لم يقتصر حال أيوب وزوجته عليهما السلام عند ذلك فحسب، بل صارت تظهر عليه علامات المرض الشديد عليه حتى أجلسه وأتعب جسمه وصحته ولم يعدّ قادرًا على الحِراك فقد سيطر المرض على جميع أعضاءه ولم يبقى سليمًا عنده سوى قلبه ولسانه. موقف زوجة أيوب عليه السلام من مرض زوجها: إنّ مع قلة الدواء و الفقر واشتدادِ المرض بحال النبي أيوب عليه السلام فإن زوجته لم تتركه في محنته وبلائه وفقره وعجزه وقلة حيلته، بل فكرت بأن تعمل خادمة في البيوت حتى تستطيع أن تؤمن الطعام والدواء لزوجها ولنفسها، فقد كانت تعمل طول النهار وعندما تنهي عملها كانت تأخذ مقابل عملها مالًا قليلًا لا يكاد يغطي حاجتها وحاجة زوجها، فكانت تجلب وجبة طعام واحدة وتتقاسمها مع زوجها فيأكلان ويحمدان الله على ما حلّ بهما، بالإضافة أيضًا أنها كانت تعتني بزوجها وتصلح من شأنه. وفي أحد الأيام الشاقة وعند انتهائها من عملها في أحد البيوت وفي طريقها لبيتها تعرض لها شخصًا ما، فقد كان يبدو من هيئته أنه طبيب فقال لها: إني طبيب وعندي قدرة على أن أشفي زوجك، لكن عليه أن يقول إنني أنا الذي أشفيته ولا أحد غيري شفاه، فلما وصلت رحمة إلى بيتها أخبرت زوجها بما حدث معها، فعلم النبي أيوب أن ذلك هو الشيطان وجاء متخفيًا في صورة طبيب فلا شفاء إلا من عند الله تعالى فأخذ على خاطره من زوجتهِ، وحلف بأنه إذا شُفي ليضربنها مئةُ ضربة.
وفي اليوم التالي قامت بفعل ما فعلت في اليوم الذي قبله وباعت ضفيرتها الثانية وتنازلت عن جمالها وشعرها؛ لكي تطعم زوجها، فما أصعبها من لحظات التي لم تسمح لليأس بأن يسيطر عليها أو على زوجها ولم تسمح للقنوط بأن يدق بابها، بل ظلت مؤمنة وصابرة ومحتسبة عند الله، فقدمت كل ما تملك حتى ضفائرها فأحست براحة عجيبة في نفسها. وعندما جاءت اليوم الثاني وجلبت الطعام للنبي أيوب أقسم ان لا يأكل حتى تخبره من أين أتت بهذا الطعام، فكشفت السيدة رحمة عن رأسها فرآه كله وقد حُلق واختفى فتأثر أيوب عليه السلام بذلك المنظر، فدعا ربه قائلا: "ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين". ففي هذه الحال لم يستطع أن يصنع شيئًا، فرفع يديه إلى ربه يدعو لنفسه ويدعو لزوجته على ما فعلت من أجله، وما حلّ بجمالها وبشعرها من أجل أن تُطعمه وتجلب له الدواء، فيا لها من سيدة عظيمة وصبوره ومكافحة من أجل زوجها.
سيدنا أيوب نبي من أنبياء الله تعالى، ذكرت نبوته في القرآن الكريم، وكان من أثرياء زمانه من حيث المال وكثرة البنين والبنات، وكان عابدا شاكراً وحامداً وكريماً مؤدياً حقوق العباد، حتى نال رضى الله سبحانه وتعالى؛ حيث كانت الملائكة تصلي عليه في السموات؛ مما أدى إلى غيظ الشيطان فزعم أن أيوب يعبد الله لما فيه من نعم، وأنه إذا أزيلت هذه النعم عنه سوف يضعف إيمانه ويقل دينه، فأذن سبحانه وتعالى بإبتلاءه في جميع ما لديه حتى في جسده وصحته ليختبر إيمانه، وما زاده هذا الابتلاء إلا الزيادة في التقرب إلى الله والعبادة والدعاء حتى أذهب الله عنه الابتلاء وزاده من المال والأولاد والصحة. نتحدث في هذا المقال عن سيدنا أيوب عليه السلام، ويشمل: التعريف بالنبي أيوب من حيث نسبة وزوجته. صفات النبي ايوب عليه السلام. زوجه ايوب عليه السلام كرتون قصير. قصة سيدنا ايوب عليه السلام، والعبرة المستفادة منها. من هو النبي ايوب عليه السلام ؟ نسب سيدنا ايوب عليه السلام هو أيوب بن عيص ابن إسحاق ابن إبراهيم ابن سام ابن نوح ابن إدريس ابن شيث ابن آدم عليهم السلام أجمعين، وهو ابن شقيق النبي يعقوب عليه السلام، وابن عم النبي يوسف عليه السلام، وهو من جنسية كنعانية أو شامية نسبةً إلى جده النبي اسحاق عليه السلام الذي عاش في كنعان؛ وهي فلسطين وجزء من الأردن وسورية، وكان النبي أيوب رجلا تقياً يدعو الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
الخطبة الأولى: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا أَزْوَاجًا، وَجَعَلَ التَّرَاحُمَ وَالتَّعَاوُنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَسَاسًا وَمِنْهَاجًا، وبِهِ تَسْعَدُ الأُسْرَةُ وَتَزْدَادُ سُرُورًا وَابتِهَاجًا، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، جَعَلَ الزَّوَاجَ مِنْ سُنَّتِهِ، وَنَهْجِهِ وَطَرِيقَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الأَطْهَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى دَارِ القَرَارِ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي -عِبَادَ اللهِ- بِتَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]. إذا ذُكِرَ الصَّبرُ، ذُكِرَ مِنَ الرِّجالِ أيوبُ -عَليهِ السَّلامُ-، وهذا لا يختلفُ عليه اثنانِ، بشهادةِ اللهِ -تَعالى- لَهُ: ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص:44]، ولكنْ مَن هي مَضربُ المَثلِ في الصَّبرِ من النِّساء؟، من هي التي قالَ عنها ابنُ كثيرٍ -رحمَه اللهُ- في البدايةِ والنِّهايةِ: " الصَّابرةُ، المُحْتَسِبةُ، المُكَابِدَةُ، الصِّدِّيقَةُ، البَّارَّةُ، الرَّاشِدَةُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا "؟، إنَّها زوجةُ أيوبَ -عليهِ السَّلامُ-، فعجباً لتلكَ العائلةِ التي أصبحتْ مضرباً للصَّبرِ.
أنه عليه السلام، خُيِّر ما بين إحضار أولاده بذواتهم، أو تركهم في الجنة، على أن يؤتى له بأمثالهم، فاختار أن يبقوا في الجنة، وان يؤتى بمثلهم في الحياة الدنيا. أنَّ الله أعطاه أجر فقد أولاده في الحياة الآخرة، ورزقه الله تعالى بأمثالهم في الحياة الدنيا. ومع اختلاف الآراء، كان الاتفاق على أنه كوفئ بالمضاعفة من نعم الله تعالى المادية والمعنوية، على ما قدَّمه من صبر واحتساب في المدة التي ابتلاه الله بها، وأمَّا زوجته فقد أعيدت إلى مرحلة الشباب. [١٥] العبر المستفادة من قصة أيوب عليه السلام البلاء والامتحان يكونان في جانب العطاء والمنع، ليبتلى المسلم أيشكر في ما أنعم الله تعالى عليه أم يكفر، ويصبر في المحن أم يجزع، فيحرص على أن يؤدي ما عليه في الدنيا كما يرضي الله تعالى بالشكر أو بالصبر. Prophet Ayub - استعيدوا خيرية الأمة. [١٦] ابتلاء الأنبياء أشد من ابتلاء غيرهم من البشر، فمنهم من ابتلي بزوجات غير صالحات، ومنهم من رزقه الله زوجة صالحة، فلا يجزع المسلم إذا امتحنه الله تعالى بزوجة غير صالحة. [١٦] الإدراك بأنه مهما عظمت المحنة والبلاء فلا بدَّ في النهاية أن يأتي فرج من الله تعالى، فيحسن المسلم الصبر والاحتساب، ليلاقي الأجر في الحياة الدنيا والآخرة على الصبر والاحتساب.