وأفضل الحياء ذلك الذي يكون من الله، حيث يستقر في قلب العبد أن الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من أن يراه الله مقصرًا في فريضة، أو أن يراه مرتكبًا لمعصية، قال عز وجل: (ألم يعلم بأن الله يرى)، وقال: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)، وكثير من الآيات يدل على اطلاعه سبحانه على أحوال عباده، وأنه رقيب عليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله إنا نستحي، قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).
الغريب أن المستشرق البريطاني "ديفيد باورز" David Bowers زعم أن مسألة ختم النبوة جاءت في فترة متأخرة نسبيا، وأن تلك الآية تم إضافتها إلى القرآن الكريم في عصور متأخرة بعد وفاة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فلم تكن تلك الآية من القرآن، ولم تنزل علي قلب النبي، وبذلك تم تحريف القرآن. وقد سعى هؤلاء المستشرقون أن يفهموا تلك الآية بعيدا عن نص القرآن وأساليب اللغة العربية، ووضوح الآية البياني والدلالي، ومن ثم كانت الأوهام والتصورات الواهية وغياب العلمية حاضرة في تفسير تلك الآية الكريمة. التفسير الاستشراقي للنص القرآني - إسلام أون لاين. [1] دنيز ماسون Denise Masson ( 1901 – 1994 م) مستشرقة فرنسية، عملت على ترجمة للقرآن، نشرتها سنة 1976م، وأقرها الأزهر سنة 1979م [2] الغنوصية حركة باطنية ظهرت في القرنين الثاني والثالث الميلادي، وتأثرت بالفكر المانوي في قراءتها للكتاب المقدس، واعتمد تفسيرهم على الرؤية الباطنية، وبعض الفرق الغنوصية اعتقدت أن المسيح لم يقتل بل صلب مكانه شخص آخر. مصطلح الغنوصية (Gnosticism) مشتق من كلمة يونانية تعني المعرفة أو العرفان، ويُقصد بها المعرفة الكشفية الإشراقية (الحدسية) التي يكتشف صاحبها المعارف العليا مباشرة بالحدس دون استدلال وتفكير عقلي، ودون حاجة إلى الوحي [3] البروفيسور أوري روبين Uri Rubin من أهم المستشرقين الإسرائيليين المعاصرين المختصين في القرآن الكريم، من أبرز أعماله: ترجمة معاني القرآن الكريم إلى العبرية التي صدرت في تل أبيب في مارس 2005، والتي أصبحت المرجع الأساسي لكل الكتابات العلمية والصحافية حول القرآن الكريم في إسرائيل.
ومن السنة: حديث أبي واقد في الصحيحين وفيه: "وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه". وحديث سلمان مرفوعاً "إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين" رواه أبو داود والترمذي. [انظر صحيح الجامع (1757)]. حديث عن رسول الله عن الحياء. وحياء الرب جل وعلا ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار بل هو حياء يليق بجلاله يكون فيه ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه فلا يفضح عبده إذا عصاه وجاهر بذلك بل يستره استحياء من هتك ستره، قال ابن القيم في نونيته: (2/ 80) وهو الحيي فليس يفضح عبده عند التجاهر منه بالعصيان لكنه يلقي عليه ستره فهو الستير وصاحب الغفران [انظر كتاب صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي السقاف ص 147]. أعظم صور الحياء من الله فمن استخف بالأوامر والنواهي الشرعية دل ذلك على عدم إجلاله لربه وإعظامه وعدم حيائه منه جل وعلا، وأدل دليل على ذهاب الحياء من الله عند بعض الناس أن تجده ضابطاً لسلوكه وأقواله وأفعاله عند من يحترمهم من البشر، ثم هو إذا خلا منهم ولم يطلع عليه إلا رب البشر وجدته يتصرف بلا قيود، وعن سعيد بن يزيد الأزدي أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-"أوصني قال: أوصيك أن تستحي من الله عز وجل كما تستحي من الرجل الصالح" رواه أحمد [في الزهد (46)] والبيهقي [في شعب الإيمان (6/ 145)] والطبراني [في المعجم الكبير (7738)] وصححه الألباني [في الصحيحة (741)].
أما النوع الثاني من الحياء فهو مكتسب ، ناتجا عن معرفة الله وقدره ، واقتراب الله عز وجل من عباده ، واطلاعه على أمورهم ، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهو أعلى خصال الإيمان ، بل أعلى مراتب الإحسان. وقد ينتج الحياء من الله عز وجل عند الإطلاع على نعمه وإدراك التقصير في شكرها ، فإذا لم يبق الحياء المكتسب والغريزي ، لن يجد ما يمنعه ممارسة الأخلاق الدنيئة وارتكاب القبيح منها ، فيصبح بلا إيمان ، و قد روي من مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( الحياء حياءان: طرف من الإيمان والآخر عجز).
عن أشج عبد القيس رضي الله عنه قال: قال لي النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ فيك لخلقين يحبهما الله» قلت: وما هما يا رسول الله؟ قال: «الحلم والحياء». [صحَّحه الألباني 454 في صحيح الأدب المفرد]. حديث الرسول عن الحياء - موسوعة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنَّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النَّار». [رواه التِّرمذي 2009 وابن ماجه 3392 وصحَّحه الألباني]. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ لكلِّ دينٍ خلقًا وخلق الإسلام الحياء». [رواه ابن ماجه 3389 وحسَّنه الألباني]. عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبُّوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» [رواه البخاري] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «استحيوا من الله حقّ الحياء» قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحي والحمد لله، قال: « ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حقّ الحياء أن تحفظ الرَّأس، وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا»> [رواه التِّرمذي 2458 وحسَّنه الألباني].
الحياء شعبة من شعب الإيمان ، ولقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة ، والتي نقوم بعرض أبرزها خلال هذا المقال. أحاديث نبوية عن الحياء – قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه الصلاة و السلام: اذا لم تستحي فافعل ما شئت. – عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الانصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله:(إن ممَأ أدرك الناس من كلام النبوة الاولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري.
قال الألباني: وبالجملة فالحديث حسن. [انظر الصحيحة (2/ 537)]. نسأل الله أن يهب لنا ولأزواجنا وأبنائنا وجميع المسلمين حياءً يدفعنا للمحاسن ويدفع عنا القبائح. مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)