وأيضا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم. وأيضا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف -الذي يزيله السواك – عند الله يوم القيامة ، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه ، ولو أزاله بالسواك ، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ، ولون دم جرحه لون الدم ، وريحه ريح المسك ، وهو مأمور بإزالته في الدنيا. " اه والله أعلم والحمد لله رب العالمين. Hits: 3906
وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا روح قال حدثنا شعبة قال حدثنا محمد ابن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحدث عن ربه قال:«كل ما يعمله ابن آدم كفارة له إلا الصوم يدع الصائم الطعام والشراب من أجلي فالصوم لي وأنا أجزي به وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك». فإن قال قائل: وما معنى قوله الصوم لي وأنا أجزي به، وقد علم أن الأعمال التي يراد بها وجه الله كلها له وهو يجزي بها، فمعناه والله أعلم: أن الصوم لا يظهر من ابن آدم في قول ولا عمل، وإنما هو نية ينطوي عليها صاحبها ولا يعلمها إلا الله، وليست مما تظهر فتكتبها الحفظة، كما تكتب الذكر والصلاة والصدقة وسائر الأعمال لأن الصوم في الشريعة ليس بالإمساك عن الطعام والشراب، لأن كل ممسك عن الطعام والشراب إذا لم ينو بذلك وجه الله، ولم يرد أداء فرضه أو التطوع لله به فليس بصائم في الشريعة، فلهذا ما قلنا إنه لا تطّلع عليه الحفظة ولا تكتبه، ولكن الله يعلمه ويجازي به على ما شاء من التضعيف. معنى فوالذي نفسي بيده - سؤال وجواب. والصوم في لسان العرب أيضا: الصبر ﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾. وقال أبو بكر بن الأنباري: الصوم يسمى صبرا لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات.
لعالم الأندلس الكبير الإمام الحافظ الناقد أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت463هـ) حديث ثالث وخمسون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، فالصيام لي وأنا أجزي به كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وإنا أجزي به». ما معنى كلمة *فوالذي نفسي بيده * - إسألنا. هذا الحديث والذي قبله رواهما عن أبي هريرة جماعة من أصحابه منهم سعيد بن المسيب والأعرج وأبو صالح ومحمد بن سيرين وغيرهم، ورواه أبو سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو هريرة. وخلوف فم الصائم ما يعتريه في آخر النهار من التغير، وأكثر ذلك في شدة الحر، ومعنى قوله:«لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» يريد أزكى عند الله وأقرب إليه وأرفع عنده من ريح المسك، وهذا في فضل الصيام وثواب الصائم. ومن أجل هذا الحديث كره جماعة من أهل العلم السواك للصائم في آخر النهار من أجل الخلوف، لأنه أكثر ما يعتري الصائم الخلوف في آخر النهار لتأخر الأكل والشرب عنه. واختلف الفقهاء في السواك للصائم فرخص فيه مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وابن علية، وهو قول إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير.