[ ص: 117] وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كثيرا عطف على جملة ( يقولون) فهي حال. وجيء بها في صيغة الماضي لأن هذا القول كان متقدما على قولهم يا ليتنا أطعنا الله ، فذلك التمني نشأ لهم وقت أن مسهم العذاب ، وهذا التنصل والدعاء اعتذروا به حين مشاهدة العذاب وحشرهم مع رؤسائهم إلى جهنم ، قال تعالى حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. فدل على أن ذلك قبل أن يمسهم العذاب بل حين رصفوا ونسقوا قبل أن يصب عليهم العذاب ويطلق إليهم حر النار. والابتداء بالنداء ووصف الربوبية إظهار للتضرع والابتهال. والسادة: جمع سيد. قال أبو علي: وزنه فعلة ، أي مثل كملة لكن على غير قياس لأن صيغة فعلة تطرد في جمع فاعل لا في جمع فيعل ، فقلبت الواو ألفا لانفتاحها وانفتاح ما قبلها. وأما السادات فهو جمع الجمع بزيادة ألف وتاء بزنة جمع المؤنث السالم. تفسير سورة الأحزاب الآية 67 تفسير ابن كثير - القران للجميع. والسادة: عظماء القوم والقبائل مثل الملوك. وقرأ الجمهور ( سادتنا). وقرأ ابن عامر ، ويعقوب ( ساداتنا) بألف بعد الدال وبكسر التاء ؛ لأنه جمع بألف وتاء مزيدتين على بناء مفرده.
( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل). وقال طاوس: سادتنا: يعني الأشراف ، وكبراءنا: يعني العلماء. رواه ابن أبي حاتم. أي: اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء من المشيخة ، وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيئا ، وأنهم على شيء فإذا هم ليسوا على شيء.
ولَا يَجِدُونَ وَلِيًّا فيعطيهم ما طلبوه { { وَلَا نَصِيرًا}} يدفع عنهم العذاب، بل قد تخلى عنهم الولي النصير، وأحاط بهم عذاب السعير، وبلغ منهم مبلغًا عظيمًا، ولهذا قال: { { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}} فيذوقون حرها، ويشتد عليهم أمرها، ويتحسرون على ما أسلفوا. { { يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ}} فسلمنا من هذا العذاب، واستحققنا، كالمطيعين، جزيل الثواب. اعراب سورة الأحزاب الأية 67. ولكن أمنية فات وقتها، فلم تفدهم إلا حسرة وندمًا، وهمًا، وغمًا، وألمًا. { { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا}} وقلدناهم على ضلالهم، { { فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ}} كقوله تعالى { { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بعد إذ جاءني}} الآية. ولما علموا أنهم هم وكبراءهم مستحقون للعقاب، أرادوا أن يشتفوا ممن أضلوهم، فقالوا: { { رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}} فيقول اللّه لكل ضعف، فكلكم اشتركتم في الكفر والمعاصي، فتشتركون في العقاب، وإن تفاوت عذاب بعضكم على بعض بحسب تفاوت الجرم.
وهو جمع الجمع الذي هو سادة. والكبراء: جمع كبير وهو عظيم العشيرة ، وهم دون السادة فإن كبيرا يطلق على رأس العائلة فيقول المرء لأبيه: كبيري ، ولذلك قوبل قولهم يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا بقولهم أطعنا سادتنا وكبراءنا. وجملة إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا خبر مستعمل في الشكاية والتذمر ، وهو تمهيد لطلب الانتصاف من سادتهم وكبرائهم. فالمقصود الإفضاء إلى جملة ربنا آتهم ضعفين من العذاب. تفسير سورة الأحزاب الآية 67 تفسير السعدي - القران للجميع. ومقصود من هذا الخبر أيضا الاعتذار والتنصل من تبعة ضلالهم بأنهم مغرورون مخدوعون ، وهذا الاعتذار مردود عليهم بما أنطقهم الله به من الحقيقة إذ قالوا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا. [ ص: 118] فيتجه عليهم أن يقال لهم: لماذا أطعتموهم حتى يغروكم ، وهذا شأن الدهماء أن يسودوا عليهم من يعجبون بأضغاث أحلامه ، ويغرون بمعسول كلامه ، ويسيرون على وقع أقدامه ، حتى إذا اجتنوا ثمار أكمامه ، وذاقوا مرارة طعمه وحرارة أوامه ، عادوا عليه باللائمة وهم الأحقاء بملامه. وحرف التوكيد لمجرد الاهتمام لا لرد إنكار ، وتقديم قولهم إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا اهتمام بما فيه من تعليل لمضمون قولهم فأضلونا السبيلا لأن كبراءهم ما تأتى لهم إضلالهم إلا بتسبب طاعتهم العمياء إياهم واشتغالهم بطاعتهم عن النظر والاستدلال فيما يدعونهم إليه من فساد ووخامة مغبة ، وبتسبب وضعهم أقوال سادتهم وكبراءهم موضع الترجيح على ما يدعوهم إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
فالمراد بالكثير الشديد القوي ، فعبر عنه بالكثير لمشاكلة معنى التثنية في قوله ضعفين المراد به الكثرة. وقد ذكر في الأعراف جوابهم من قبل الجلالة بقوله قال لكل ضعف يعني أن الكبراء استحقوا مضاعفة العذاب لضلالهم وإضلالهم وأن أتباعهم أيضا استحقوا العذاب لضلالهم ولتسويد سادتهم وطاعتهم العمياء إياهم.
إنّ كون عذاب أئمّة الكفر والضلال مضاعفاً واضح، لكن لماذا يكون عذاب من اتّبعهم مضاعفاً؟ إنّ سبب ذلك هو أنّهم استحقّوا عذاباً لضلالتهم، والعذاب الآخر لمعونة الظالمين ومؤازرتهم، لأنّ الظالمين لا يقدرون على أن يستمرّوا في عمل ما لوحدهم مهما كانت لهم من قوّة، إلاّ أنّ أتباعهم هم الذين يؤجّجون نار حروبهم، ويسجرون أتون ظلمهم وكفرهم، وإن كان عذاب أئمّة الكفر - إذا ما قورن بعذاب المتّبعين - أشدّ وآلم بدون شكّ. وقد كان لنا بحث مفصّل في هذا الباب في الآية ( رقم 30) من هذه السورة. 1 - (قليلا) هنا مستثنى من محذوف، والتقدير: لا يجاورونك زماناً إلاّ زماناً قليلا. 2 - إنّ الألف في "الرسولاً" و "السبيلاً" هي ألف الإطلاق، ولتناسق آخر الآيات، وإلاّ فإنّ التنوين لا يجتمع مع الألف واللام مطلقاً.