ويدخل فيه سلوك الطريق المعنوي، مثلُ حفظِهِ ودرسِهِ ومُذاكرتِهِ وكتابتِهِ ونحوِ ذلك. فقد يكونُ المرادُ أنَّ اللهَ يسهِّل له العلمَ الذي طلبهُ وسلك طريقه وييسره له. وعلم الدين طريق يوصل إلى الجنة. وقد يراد به أيضًا أنَّ اللهَ ييسر لطالب العلم المخلص سبلَ الهداية لسلوك طريق الجنة. فيكون طلبه للعلم سببًا لهدايتهِ ولدخول الجنة. فمن سلك طريق العلم ولم يَعوجَّ عنه وصل إلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها. فلا طريق إلى معرفةِ اللهِ وإلى الوصولِ إلى رضوانِهِ إلاَّ بالعلم النافع الذي بعثَ اللهُ بهِ رسلهُ وأنزل به كتبه. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. الحمد لله* والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله* وعلى ءاله وصحبه ومَن والاه* أما بعد، عباد الله اتقوا الله. ثم إن قوله ﷺ: " وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللهِ يتلونَ كتابَ اللهِ ويتدارسونَهُ بينهم إلاَّ نزلتْ عليهمُ السكينةُ، وغشيتهم الرحمةُ، وحفَّتهم الملائكة، وذَكرَهمُ اللهُ فيمن عندهُ. " يدل على استحبابِ الجلوسِ في المساجدِ لتلاوةِ القرءانِ ومدارستهِ. وإن حُمِلَ على تعلُّمَ القرءانِ وتعليمِهِ فلا خلافَ في استحبابِهِ. شرح وترجمة حديث: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة - موسوعة الأحاديث النبوية. ففي البخاريّ أن النبيَّ ﷺ قال: "خيرُكُم من تعلَّمَ القرءانَ وعلَّمَهُ. "
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: هذا حديث عظيم، جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسر؛ من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، أو غير ذلك. غريب الحديث نفَّس: أي فرَّج عنه. كربة: شدة عظيمة. يسَّر على معسر: المعسر من أثقلته الديون وعجز عن وفائها، والتيسير عليه مساعدته على إبراء ذمته من تلك الديون. يسر الله عليه: سهَّل أموره وشؤونه. من فرج عن مؤمن كربة. سلك: مشى أو أخذ بالأسباب. يلتمس: يطلب ويبتغي. السكينة: الوقار والتأني. غشيتهم الرحمة: تعلوهم الرحمة. حفَّتْهم الملائكة: أي طافت بهم، ودارت حولهم. شرح الحديث ((من نفَّس))؛ أي: فرَّج وأزال وكشف، ((عن مؤمنٍ كربةً))؛ أي: شدة ومصيبة، ((من كُرَب الدنيا))؛ أي: بعض كربها، ((نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) مجازاة ومكافأة له على فعله بجنسه؛ قال النووي رحمه الله: فيه دليل على استحباب القرض، وعلى استحباب خلاص الأسير من أيدي الكفار بمال يعطيه، وعلى تخليص المسلم من أيدي الظلمة، وخلاصه من السجن. ((ومن يسَّر على معسرٍ))؛ أي: سهَّل عليه وأزال عسرته، ((يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة)) مجازاة ومكافأة له بجنس عمله، كما مر.