قوله تعالى: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون. قوله تعالى: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أي مما حاط بهم من غضب الله ونقمته. وقال الأخفش: " ترى " غير عامل في قوله: وجوههم مسودة إنما هو ابتداء وخبر. الزمخشري: جملة في موضع الحال إن كان ترى من رؤية البصر ، ومفعول ثان إن كان من رؤية القلب. أليس في جهنم مثوى للمتكبرين بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنى الكبر فقال - عليه السلام -: سفه الحق وغمط الناس. أي: احتقارهم. وقد مضى في [ البقرة] وغيرها. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الزمر - قوله تعالى ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين- الجزء رقم27. وفي حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: يحشر المتكبرون يوم القيامة كالذر يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن جهنم. قوله تعالى: وينجي الله الذين اتقوا وقرئ: " وينجي " أي: من الشرك والمعاصي. [ ص: 245] بمفازتهم على التوحيد قراءة العامة لأنها مصدر. وقرأ الكوفيون: " بمفازاتهم " وهو جائز كما تقول بسعاداتهم.
(p-٥٠)ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ابْيِضاضُ الوُجُوهِ مُسْتَعْمَلًا في النَّضْرَةِ والبَهْجَةِ قالَ تَعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢]، وقالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ: ؎بِيضُ الوُجُوهِ كَرِيمَةٌ أحْسابُهُمْ ويَقُولُونَ في الَّذِي يَخْصُلُ خَصْلَةً يَفْتَخِرُ بِها قَوْمُهُ: بَيَّضْتَ وُجُوهَنا. والخِطابُ في قَوْلِهِ (تَرى) لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله يسعدك. وجُمْلَةُ (﴿وُجُوهُهم مُسْوَدَّةٌ﴾) مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، ومَوْقِعُ الجُمْلَةِ مَوْقِعُ الحالِ مِنَ (﴿الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ﴾)، لِأنَّ الرُّؤْيَةَ هُنا بَصَرِيَّةٌ لا يَنْصِبُ فِعْلُها مَفْعُولَيْنِ. ولا يَلْزَمُ اقْتِرانُ جُمْلَةِ الحالِ الِاسْمِيَّةِ بِالواوِ. و(﴿الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ﴾): هُمُ الَّذِينَ نَسَبُوا إلَيْهِ ما هو مُنَزَّهٌ عَنْهُ مِنَ الشَّرِيكِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن تَكاذِيبِ الشِّرْكِ، فالَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا الَّذِينَ ذُكِرُوا في قَوْلِهِ ﴿والَّذِينَ ظَلَمُوا مِن هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهم سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا﴾ [الزمر: ٥١]، وُصِفُوا أوَّلًا بِالظُّلْمِ ثُمَّ وُصِفُوا بِالكَذِبِ عَلى اللَّهِ في حِكايَةٍ أُخْرى فَلَيْسَ قَوْلُهُ (﴿الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ﴾) إظْهارًا في مَقامِ الإضْمارِ.
ويجوز أن يكون ابيضاض الوجوه مستعملاً في النضرة والبهجة قال تعالى: { وجوه يومئذ ناضرة} [ القيامة: 22] ، وقال حسان بن ثابت:... بِيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم ويقولون في الذي يخصل خصلة يفتخر بها قومُه: بيَّضْتَ وجوهنا. والخطاب في قوله: { تَرَى} لغير معين. وجملة { وجوههم مُسْوَدة} مبتدأٌ وخبر ، وموقع الجملة موقع الحال من { الذين كذبوا على الله} ، لأن الرؤية هنا بصرية لا ينصب فعلها مفعولين. ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله توكلنا. ولا يلزم اقتران جملة الحال الاسمية بالواو. و { الذين كذبوا على الله}: هم الذين نسبوا إليه ما هو منزه عنه من الشريك وغير ذلك من تكاذيب الشرك ، فالذين كذبوا على الله هم الذين ظلموا الذين ذُكروا في قوله: { والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا} [ الزمر: 51] ، وصفوا أولاً بالظلم ثم وصفوا بالكذب على الله في حكاية أخرى فليس قوله: { الذين كذبوا على الله} إظهاراً في مقام الإِضمار. ويدخل في { الذين كذبوا على الله} كل من نسَب إلى الله صفة لا دليل له فيها ، ومن شرع شيئاً فزعم أن الله شرعه متعمداً قاصداً ترويجه للقبول بدون دليل ، فيدخل أهل الضلال الذين اختلقوا صفات لله أو نسبوا إليه تشريعاً ، ولا يدخل أهل الاجتهاد المُخطِئون في الأدلة سواء في الفروع بالاتفاق وفي الأصول على ما نختاره إذا استفرغوا الجهود.