لا تدركه الأبصار اللطيف له معان كثيرة، أحد هذه المعاني: الشيء الصغير الذي لا يحس به لصغره يسمى لطيفا، ومن المعاني التي يشملها اسمه اللطيف التنزيه عن أن يكون سبحانه له جسم، أو أن يكون متحيزاً، أو أن يحيط به زمان، أو أن يشغل مكانا، تعلم أنه جل شأنه معك دائماً: وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ولكنك لا تحس بوجوده، فوجوده غير ثقيل عليك، وهو من اللطف بحيث لا تراه ولا تسمعه: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (الأنعام: 103). فالله عز وجل من اللطف بحيث لا تراه ولا تسمعه، وهذا أحد المعاني لكلمة لطيف، لهذا جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس فأتاه جبريل فقال ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث، قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان، قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ويقال فلان لطيف اليد إذا كان حاذقاً في صنعته، ومهتدياً إلى ما يشكل على غيره، وعلى هذا التفسير يكون الله لطيفا بمعنى عليما، ومن أروع المعاني التي قالها الإمام الغزالي، أن اسم اللطيف هو: من يعلم حقائق المصالح وغوامضها ثم يسلك في إيصالها إلى مستحقها سبيل الرفق دون العنف: الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز (الشورى: 19).
وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف ، مضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى. وفي القول الأول ليس فيه ترجية ولا تخويف. قوله تعالى: مثقال حبة عبارة تصلح للجواهر ، أي قدر حبة ، وتصلح للأعمال; أي ما يزنه على جهة المماثلة قدر حبة. ومما يؤيد قول من قال هي من الجواهر: قراءة عبد الكريم الجزري ( فتكن) بكسر الكاف وشد النون ، من الكن الذي هو الشيء المغطى. اللطيف الخبير | صحيفة الخليج. وقرأ جمهور القراء: إن تك بالتاء من فوق ( مثقال) بالنصب على خبر كان ، واسمها مضمر تقديره: مسألتك ، على ما روي ، أو المعصية والطاعة على القول الثاني; ويدل على صحته قول ابن لقمان لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله ؟ فقال لقمان له: يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة الآية. فما زال ابنه يضطرب حتى مات; قاله مقاتل. والضمير في إنها ضمير القصة; كقولك: إنها هند قائمة; أي القصة إنها إن تك مثقال حبة. والبصريون يجيزون: إنها زيد ضربته; بمعنى إن القصة. والكوفيون لا يجيزون هذا إلا في المؤنث كما ذكرنا. وقرأ نافع: ( مثقال) بالرفع ، وعلى هذا تك يرجع إلى معنى خردلة; أي إن تك حبة من خردل. وقيل: أسند إلى المثقال فعلا فيه علامة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه; لأن مثقال الحبة من الخردل إما سيئة أو حسنة; كما قال: فله عشر أمثالها فأنث ، وإن كان المثل مذكرا; لأنه أراد الحسنات.
الحمد لله. من أسماء الله الحسنى الثابتة في القرآن والسنة: " اللطيف " ، قال تعالى: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/14 ، وقال عز وجل: ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفا خَبِيرا) الأحزاب/34. ولهذا الاسم معنيان عظيمان: الأول: أن الله يعلم دقائق الأمور وخفاياها ، وما في الضمائر والصدور. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي شارحاً معنى هذا الاسم: " الذي لَطُفَ علمه حتى أدرك الخفايا ، والخبايا ، وما احتوت عليه الصدور، وما في الأراضي من خفايا البذور ". انتهى من "تفسير أسماء الله الحسنى " للسعدي (ص: 225). المعنى الثاني: أن الله تعالى يحسن إلى عباده من حيث لا يحتسبون. إن الله لطيف خبير | موقع البطاقة الدعوي. قال الزجاج: " وَهُوَ فِي وصف الله يُفِيد أَنه المحسن إِلَى عباده فِي خَفَاء وَستر من حَيْثُ لَا يعلمُونَ ، ويسبب لَهُم أَسبَاب معيشتهم من حَيْثُ لَا يحتسبون ". انتهى " تفسير أسماء الله الحسنى " للزجاج (ص: 44). فإذا يسر الله لعبده طريق الخير وأعانه عليه: فقد لطف به. وإذا دفع عنه السوء والمكروه: فقد لطف به. وإذا هداه من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي ، إلى نور العلم والإيمان والطاعة: فقد لطف به.
انتهى من تفسير أسماء الله الحسنى" للسعدي (ص: 227). ومن لطفه بعباده: أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم ، لا بحسب مراداتهم ، فقد يريدون شيئاً وغيره أصلح لهم ، فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفاً بهم ، وبراً إحساناً ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ). ومن لطفه بهم: أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ، وضروب المحن والابتلاء رحمةً بهم ولطفاً ، وسوقا إلى كمالهم ، وكمال نعيمهم ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). يأت بها الله ان الله لطيف خبير تويتر. ومن لطف الله تعالى بعبده: أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته ، ويعلم الله تعالى أنها تضره وتصده عما ينفعه ، فيحول بينه وبينها ، فيظل العبد كارهاً ولم يدر أن ربه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النافع وصرف عنه الأمر الضار. قال ابن القيم: " واسمه اللطيف يتضمن: علمه بالأشياء الدقيقة ، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية " انتهى من " شفاء العليل " (ص: 34). وقال في " الكافية الشافية " (ص: 179): وهو اللطيف بعبده ولعبده... واللُطف في أوصافه نوعان إدراك أسرار الأمور بخبرةٍ... واللطف عند مواقع الإحسان فيريك عزَّته ويُبدي لطفه... والعبد في الغفلات عن ذا الشَّان وقد أفاض الشيخ عبد الرحمن السعدي في بيان صور وحالات من لطف الله بعباده في رسالته " تفسير أسماء الله الحسنى " (ص: 225).