فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله، وإهانة من لم يقم به، وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإذا كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعية إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا. ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها.. هـ (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص: 427) فجميع أساليب الدعوة إلى الله تقوم على أسلوب الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن. من أساليب الدعوة إلى الله. أسلوب الحكمة: تطلق الحكمة في اللغة على معانٍ عديدة منها: العدل، والعلم، والحلم، والنبوة، والقرآن، والانجيل، والسنة وما إلى ذلك من اطلاقات، كما تطلق على العلة: يقال: حكمة التشريع، وما الحكمة من ذلك؟ وعلى الكلام الذي يقل لفظه ويَجلُّ معناه، ويقال للرجل حكيم: إذا أحكمته التجارب، وأحكم الأمر أتقنه.. (لسان العرب لابن منظور، مادة: حكم).
الضابط الثاني: إعمال فقه الأولويات في القربات والطاعات وفي الأوامر والمنهيات: فعلى الداعية أن يضع كل عمل في موضعه وإطاره الشرعي؛ حيث إن لكل عمل مأمور به، أو منهي عنه وزن معين في نظر الشارع بالنسبة لغيره من الأعمال، فلا يجوز له أن يتجاوز به حده الذي حده له الشارع، فنرتفع به فوق مقداره، أو أن نهبط به عن مكانته. وهذا يتطلب من الداعية إلى الله تعالى أن يكون ملما بالخريطة الشرعية للأحكام (يقصد بالخريطة الشرعية للأحكام: الفقه بأحكام الشرع وبمراتب الأعمال، وبالقطعي منها من الظني، وبالأصل منها من الجزء، وبالكبير مكنها من الصغير)، وعلى علم بالضوابط التي يتم بناء عليها ترجيح حكم على آخر في حالة التزاحم، أو في غير حالة التزاحم، وأن يكون الداعية على علم تام بالواقع والظروف التي يتحرك فيها المدعو. الضابط الثالث: التدرج في استخدام الوسائل والأساليب: فعلى الداعية أن يتدرج شيئا فشيئا، قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} (الإسراء: ١٠٦). من اساليب الدعوة الى الله. قال الشيخ السعدي –رحمه الله-: أي: وأنزلنا هذا القرآن مفرقا فارقا بين الهدى والضلال، والحق والباطل (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ) أي: على مهل، ليتدبروه، ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه.
2- أن يعتقد أنه بدعوته إلى الله وارث لنبيه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في نشر سنته وهديه؛ ليكون ذلك حافزًا له على اتباعه في دعوته، والصبر على ما يصيبه، والحصول على الثواب الجزيل والدخول في دائرة: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]. 3- أن يكون ثابتًا في دعوته إلى الله - تعالى - راسخ القدمين لا تزعزعه المضايقات، ولا يحطمه اليأس؛ لأنه واثق من صحة طريقته، مؤمل لنتيجتها، فهو واثق من الحسنيين بمشيئة الله. من أساليب الدعوة إلى الله - إسلام ويب - مركز الفتوى. 4- أن يصبر ويصابر؛ فيصبر على ما يناله من أذى الخلق، وهم المناوئون للدعوة الذين لا يريدون للخير انتشارًا، وأذاهم قولي وفعلي، وقد حصل ذلك للرُّسل - عليهم الصلاة والسلام - وأخبر بذلك الكتاب المنزل: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 34]. والصبر درجة عالية لا تنال إلا بالأسباب التي يتجرع بها العبد مرارة الصبر، ويتحمَّل بها مشقته؛ ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]. 5- أن يسلك طريق الحكمة ويعامل الناس على قدر عقولهم؛ فليسوا سواءً في قبول الحق والانقياد له، بل يحرص على الأسلوب المناسب؛ لعل الله أن ينفع به، ولو نظرنا إلى واقعنا الذي نعيشه، لرأينا أن أكثر الناس نفعًا هم الدعاة الذين وُفِّقوا لاستعمال الحكمة ومخاطبة الناس على قدر عقولهم، وعندنا مثال حي: هو سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز المفتي العام للمملكة الذي طوفت شهرته مشارق الأرض ومغاربها، ووضع له القبول في الأرض، نسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية!
الضابط الخامس: استثمار الفرص المتاحة، مثل الأعراس والأعياد والمآتم: فعلى الداعية أن يستثمر الفرص المتاحة في دعوته إلى الله تعالى، فالنبي – صلى الله عليه وسلم- استمر يدعو إلى الله تعالى ليلا ونهارا وسرا وجهارا، لا يصرفه عن ذلك صارف ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصده عن ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم، ومجامعهم ومحافلهم وفي المواسم، ومواقف الحج يدعو من لقيه من حر وعبد وضعيف وقوي، وغني وفقير، جميع الخلق في ذلك عنده سواء. من اساليب الدعوه الي الله العريفي يوتيوب. فعلى الداعية إلى الله تعالى أن يقتدي بالنبي –صلى الله عليه وسلم- ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج وأسواقها، عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال: "كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعرض نفسه على الناس في الموقف، فقال: ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلّغ كلام ربي". يقول العلامة الشيخ السعدي –رحمه الله-: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم، إلى سبيل ربك المستقيم، المشتمل على العلم النافع، والعمل الصالح بالحكمة أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقبوله وانقيادة. ومن الحكمة، الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين.
والدعوة إلى الله دعوة إلى اتباع الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وبسلوك هذا الصراط تنقطع سبل الابتداع، وخرافات الأهواء التي عشعشت في قلوب الكثيرين من المسلمين. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]. تصفح وتحميل كتاب أساليب الدعوة إلى الله تعالى القرآن الكريم Pdf - مكتبة عين الجامعة. والدعوة إلى الله دعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وحفظ الحقوق، وإقامة العدل بين الناس بإعطاء كل ذي حق حقَّه، وبذلك يتحقق الإخاء والمودة بين المؤمنين، ويستتب الأمن التام والنظام الكامل داخل شريعة الله، وتضمحل كل الأخلاق السافلة والظواهر السيئة من المجتمع المسلم، هذه هي الدعوة إلى الله بمفهومها الواسع الشامل، ولذا جاءت الآيات الكثيرة ترغب فيها، وتحث عليها؛ لأنها وظيفة أنبياء الله والصفوة المباركة من العلماء العاملين في كل زمان ومكان. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
(وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا) أي: شيئا فشيئا، مفرقا في ثلاث وعشرين سنه (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص: 442). وقد استخدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الوسائل والأساليب الدعوية التدرج فمن البيان العام للدعوة، إلى الهجرة، إلى السرايا، إلى الغزوات، إلى الكتب، والرسل، إلى الوفود، إلى البعوث، إلى انطلاق الجهاد في ربوع الدنيا. من اساليب الدعوة الى ه. الضابط الرابع: مخاطبة المدعوين على قدر عقولهم: قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (إبراهيم: ٤). قال الشيخ السعدي –رحمه الله-: وهذا من لطفه بعباده أنه ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه ليبين لهم ما يحتاجون إليه ، ويتمكنون من تعلم ما أتى به ، بخلاف ما لو كان على غير لسانهم ، فإنهم يحتاجون إلى أن يتعلموا تلك اللغة التي يتكلم بها ، ثم يفهمون عنه ، فإذا بين لهم الرسول ما أمروا به ، ونهوا عنه ، وقامت عليهم حجة الله فيضل الله من يشاء ، ممن لم ينقد للهدى ، ويهدي من يشاء ، ممن اختصه برحمته.. أ. هـ ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، ص 396).
من أساليب الدعوة الحكمة منهج الدعوة إلى الله عز وجل يرتكز على أمور ثلاثة: الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وهذا ما أوضحه وبيَّنه القرآن الكريم، فقد قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]. يُراد بالحكمة في باب الدعوة، أن يكون الداعية فاهمًا لقصده، عارفًا بأفضل الطرق المؤدية إلى الغرض على خير وجه، وأن يكون عالِمًا بقواعد الدعوة بالنسبة إلى كل نمط وطائفة من طوائف المدعوين. فالحكمة: هي وضع الشيء في موضعه، والحكمة تقتضي أن يكون الداعية مدركًا لما حوله، مُقدِّرًا الظروف التي يدعو فيها، مُراعيًا لحاجات الناس ومشاعرهم؛ حتى يتمكَّن من الوصول إلى قلوبهم. فالحكمة تجعل الداعي ينظر ببصيرة المؤمن؛ فيرى حاجة الناس فيعالجها بحسب ما تقتضيه الظروف، والحكمة إذا أُسنِدَتْ إلى الله تعالى فيكون معناها: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، وإذا أُسْنِدَتْ للإنسان فيكون معناها: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وتُطلَق الحِكْمَة على معانٍ عِدَّة؛ منها: 1 - الحِكْمة بمعنى القرآن والسُّنَّة، وبيان الشَّرائع: قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].