"سَافِكُ دَمِ ٱلْإِنْسَانِ بِٱلْإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لِأَنَّ ٱللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ ٱلْإِنْسَانَ " (تكوين 9: 6) درسنا المرة السابقة بعض العبارات التي تتنافس على تعريف الإنسان في تاريخ الفكر الغربي. لكن لأننا تلاميذ ليسوع، يجب علينا أن نهتم أولاً وقبل كل شيء بما تقرره كلمة الله عن كينونتنا. لقد درسنا بالفعل تكوين 1: 26-27، وهو أحد أهم النصوص المتعلقة بعقيدة الإنسان في كل الكتاب المقدس. يخبرنا موسى في هذه الأعداد أن الله خلق الإنسان على "صورته" على "شبهه" (العدد 26). ميّز البعض بين "صورة" الله و"شَبَهه" في البشر عبر تاريخ اللاهوت المسيحي. غالبًا ما يذكر اللاهوت الكاثوليكي التقليدي أن "الصورة" تشير إلى قدرتنا على اتخاذ قرارات عقلانية، بينما يشير "الشَبَه" إلى هبة إضافية من البِرّ مُنحت قبل السقوط. يؤكد هذا الرأي أنه بالسقوط أضاع آدم "شبه الله" فقط (لكنه احتفظ "بصورة الله"). صور ان ه. وعلى جانب مقابل، اتفق البروتستانت إلى حدٍ كبيرٍ على أنه لا يمكننا التفريق بين "صورة" و "شَبَه" الله في البشرية، لأن كلا المصطلحين يشير إلى الشيء نفسه - أي قدرتنا أنَّ نعكس شخصية الرب المقدسة. ندرس هذه الفكرة المهمة بتفصيل أكبر في الأسبوع القادم.
فالمصور لما صوَّر الصورة على شكل ما خلقه الله - تعالى - من إنسان وبهيمةٍ - صار مضاهيًا لخلق الله، فصار ما صوَّره عذابًا له يوم القيامة، وكُلِّف أن يَنفخ فيه الروح، وليس بنافخ، فكان أشد الناس عذابًا؛ لأن ذنبه من أكبر الذنوب. وقد قسَّم النووي - رحمه الله - المصورين إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: من صنَع الصورة لتُعبَد من دون الله؛ كالذين يصنعون الأصنام؛ فهذا كافر، وهو أشد الناس عذابًا. القسم الثاني: من لم يقصد أن تُعبَد الصورة، ولكنه قصد مضاهاة خلْق الله؛ فهذا أيضًا كافر، وله من شدة العذاب ما للكافر. صور ان الله وملاكته يصلون على النبي. القسم الثالث: من لم يقصد العبادة ولا المضاهاة، فهذا فاسقٌ صاحب ذنبٍ كبير. ثالثًا: يحرم التصوير؛ لِما يجرُّ إليه من الافتتان بالصورة الجميلة للنساء، خصوصًا: النساء الخليعات المتبرِّجات العاريات، وشبه العاريات؛ كالصور التي تنشر في الأفلام وبعض الصحف والمجلات، فإن هذه الصور تدعو إلى فساد الأخلاق، وانتشار الجريمة، وكذا عرْض صور الرجال أمام النساء، مما يدعوهنَّ للافتتان بهم، وقد أصبح هذا اللون من الصور من أعظم الفتن التي أفسَدت الأخلاق. وقد ورد في التصوير أنواع من الوعيد؛ منها: لعن المصورين، وأنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وأنه يقال للمصورين: ((أحيُوا ما خلَقتم))، وأنهم يكلفون أن ينفخوا الروح في الصور التي صوَّروها، وأن المصور يعذَّب بكل صورة صوَّرها في الدنيا، يُجعل له نفسٌ يعذَّب بها، وكما يحرم التصوير، يحرم استعمال الصور والاحتفاظ بها للذكريات، وتعليقها على الجدران، أو وضْعها على طاولات التجميل؛ سواء كانت تماثيلَ، أو رسومًا، وصحَّ في الحديث أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة.
إن هذا الدين من سماته العظيمة ومميزاته الكريمة أنه ينقل النص الموحى به من عند الله إلى التطبيق العملي في واقع الناس وحياتهم فمجرد العلم بالأحكام الشرعية لا يغني صاحبه شيئًا ما لم تتحول هذه المعرفة إلى عمل واقعي مشاهد محسوس، وإن القرآن الكريم والسنة النبوية ليسا للمتاع العقلي ولا للمعرفة المجردة، وإنما جاء بهما الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه ليكونا منهاج حياة، ولذلك لم ينزل الله عز وجل هذا القرآن جملة واحدة، وإنما نزل وفق الحاجات المتجددة ووفق المشكلات العملية التي تواجهها الأمة. سنعرض في خطبتنا صورًا ومشاهد واقعية حقيقية، عن الحب في الله، وكيف وصل الإسلام باتباعه إلى هذه الدرجة العظيمة من الحب في الله والبغض في الله، بصورة لا مثيل لها في غير تاريخ الإسلام. أجمل صور مكتوب عليها أسماء الله الحسني. أولاً: الإيثار: قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9] [1]. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ يُضِيفُ هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا.
قال الهيثمي في ((المجمع)) (6/250): رجاله ثقات، إلا أن عبيدة لم يسمع من أبيه.