قال ابن جُرَيج: يقول: أوّل قتال أذن الله به للمؤمنين. حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: في حرف ابن مسعود: " أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ" قال قَتادة: وهي أوّل آية نـزلت في القتال, فأذن لهم أن يقاتلوا. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) قال: هي أوّل آية أنـزلت في القتال, فأذن لهم أن يقاتلوا. وقد كان بعضهم يزعم أن الله إنما قال: أذن للذين يقاتلون بالقتال من أجل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, كانوا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الكفار إذا آذوهم واشتدّوا عليهم بمكة قبل الهجرة غيلة سرّا; فأنـزل الله في ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) فَلَمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة, أطلق لهم قتلهم وقتالهم, فقال: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا). أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير 1. وهذا قول ذُكر عن الضحاك بن مزاحم من وجه غير ثبت. وقوله: ( وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) يقول جل ثناؤه: وإن الله على نصر المؤمنين الذين يقاتلون في سبيل الله لقادر, وقد نصرهم فأعزّهم ورفعهم وأهلك عدوّهم وأذلهم بأيديهم.
قال: [ ثالثاً: مشروعية القتال لإعلاء كلمة الله بأن يعبد وحده ولا يضطهد أولياؤه]، مشروعية القتال في سبيل الله من أجل الدولة والسلطان؟! لا والله، وإنما من أجل أن يُعبد الرحمن وحده، ولذلك لما قاتلنا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا قاتلناهم من أجل أن يعبد الله وحده؟! Altafsir.com -تفسير ايآت القرآن الكريم (1-0-39-22). لا والله، إذ لو أردنا هذا لأقمنا دين الله في أول يوم، لكن أردنا الاستقلال للأكل والشرب والنكاح! قال: [ رابعاً: بيان سر الإذن بالجهاد ونصرة الله لأوليائه الذين يقاتلون من أجله. خامساً: بيان أسس الدولة الإسلامية التي ورثّ الله أهلها البلاد وملكهم فيها]، ما هي أركان الدولة الإسلامية؟ أيما إقليم إسلامي أراد أن يقيم دولة إسلامية فعليه بهذه الكلمة فقط: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41]، فيجبرون المواطنين على الصلاة، ويجبون الزكاة، ويكوِّنون هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا فجور ولا مزامير ولا أغاني، وإنما دولة إسلامية وإن كانوا حفنة والله لينصرهم ويحفظهم.
فماذا نفعل؟ لقد كان الحل هو مهاجمة قوافل قريش التي تتجه إلى الشام: - فهذه القوافل لا تحميها إلا قوة عسكرية بسيطة تستطيع القوة الإسلامية أن تجابهها. - كما أنها تمر قريبًا من المدينة، فلن يكون هناك جهد كبير على المسلمين. - وسيعودون إلى المدينة بسرعة قبل أن تحدث بها فتن أو ثورات. - وهم في الوقت ذاته سيستعيدون شيئًا من أملاكهم المسلوبة. - ويوقعون الرهبة في قلوب أعدائهم. المصحف الإلكتروني - ترجمة القران الكريم ومعاني الكلمات. لقد كانت فكرة صائبة حقًّا أن يرفع المسلمون الظلم عن كاهلهم بمهاجمة قوافل القبيلة المعادية قريش. وهذه حالة حرب حقيقية، وليس هنا مجال لما يطعن به المستشرقون والعلمانيون بأن المسلمين يغيرون على الآمنين من قريش. فهذه حرب معلنة بين دولة المدينة المسلمة ودولة مكة الكافرة، وكِلا الطرفين يستحل دم ومال الآخر، وكلا الطرفين يضرب مصالح الآخر، وهذا عرفٌ في حالة الحرب متعارف عليه في كل الأزمان وفي كل الأماكن، والإسلام دين واقعيٌّ، يرد القوة بالقوة، ويشهر السيف في وجوه من أشهروا سيوفهم عليه {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشُّورى: 41، 42].
يلومون المسلمين؛ لأنهم هاجموا قوافل قريش التي استولت على أموالهم وأخذت ديارهم، ولا يلومون مَن سلب أموال شعب بأكمله، وقد تكرر هذا في التاريخ كثيرًا. يلومون المسلمين؛ لأنهم قتلوا من قاتلهم قبل ذلك، وعذَّبهم وشرَّدهم، ولا يلومون مَن أباد الشعوب بالبارود والنابالم والقنابل الذرية والعنقودية واليورانيوم! مكاييل مختلفة؛ وذلك لأنهم لا يحكمون بشرع الله I، وإنما يحكمون بأهوائهم. تربية الصحابة قبل القتال قبل هذا التخطيط العسكري لمهاجمة قوى قريش المعادية لا بد من تربية خاصة للنفوس. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا سبب النزول. الآن هناك تشريع جديد، وقانون يسمح بالقتال، ولكن لماذا تقاتل؟ وماذا لو قتلت في المعركة؟ وماذا لو انتصرت؟ هذه أمور لم يعرفها المسلمون قبل ذلك؛ لأن التشريع جديد، والظروف جديدة. هنا نجد أن رسول الله r -كعادته في تربية المؤمنين- لا يكتفي فقط بذكر التشريع الدقيق أو القانون المحكم، إنما يرتقي بأحلام المؤمنين دائمًا إلى الجنة، ويتجه بنياتهم إلى الله U. القتال في الإسلام هو قتال في سبيل الله، ليس في سبيل النفس، وليس في سبيل القائد، وليس في سبيل الدنيا بأسرها، إنما هو في سبيل الله. لذلك تجد دائمًا أن كلمة الجهاد في القرآن أو السُّنَّة تأتي مقرونة بـ (في سبيل الله)، {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جُبير, قال: لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة, قال رجل: أخرجوا نبيهم، فنـزلت: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) الآية الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
[1] مسلم: كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله (1876) ترقيم عبد الباقي. ورواه ابن ماجه (2753) ترقيم عبد الباقي، وأحمد (7157) طبعة مؤسسة قرطبة.
ولكن حتى تستقيم أنفسهم وإرادتهم على أمر الله تركوا أموالهم وأهلهم، حيث ترك أبو بكر وغيره من الصحابة أهلهم وهاجروا وأنفسهم (استشهد الصحابي ياسر والصحابية سمية -رضي الله عنهما- وضحوا بأنفسهم طاعة لله) وبذلك يتخلص المسلمون من أي سبب أو دافع للدفاع أو القتال غير سبب طاعة الله ورسوله وإعلاء كلمة التوحيد.