وهذا من أعظم آيات الله الكونية الدالة على تمام قدرته عز وجل. ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾ ؛ أي: قائلين لهم: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾، "ما" موصولة تفيد العموم؛ أي: خذوا واقبلوا جميع الذي أعطيناكم من الكتاب والتوراة؛ أي: آمنوا به واعملوا بمقتضاه. معنى القوة في قوله تعالى يايحي خذ الكتاب بقوة. ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ الباء للمصاحبة؛ أي: مصحوبًا بقوة، أي: بحزم وعزم ونشاط وجد واجتهاد في الامتثال والعمل، دون ضعف أو تهاون أو توانٍ، كما قال تعالى: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]. ﴿ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾"ما": اسم موصول يفيد العموم؛ أي: واذكروا الذي فيه من الأحكام والأوامر والنواهي، والأخبار والوعد والوعيد والمواعظ وغير ذلك، واتلُوه وتعلموه واعملوا به. ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ؛ أي: لأجل أن تتقوا الله، أو لتكونوا من أهل التقوى. فأخذ الله عز وجل ميثاقهم، ورفع فوقهم الطور؛ تخويفًا لهم، وأمرهم بأخذ الكتاب بقوة، وذكر ما فيه؛ لأجل أن يتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
العروة الوثقى (خطبة)
وثاني الأركانِ الإيمانُ باللهِ والإقرارُ بانفرادِه -سبحانه-بالألوهيةِ؛ وأنه الإلهُ المعبودُ المستحِقُّ لإفرادِه بكمالِ المحبةِ والذُّلِ والتعظيمِ، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51]. وذلكم هو إسلامُ العبدِ وجهَه للهِ، الذي يَحْملُ في معانيه إخلاصَ القصدِ للهِ، والتذللَ له، وتفويضَ الأمرِ إليه، مع إتقانِ الطاعةِ بتحقيقِ مقامِ الإحسانِ فيها مع اللهِ ومع الخلْقِ؛ باستحضارِ قرْبِ اللهِ منه واطلاعِه عليه؛ فيعبدُه كأنه يَراه، فإنْ لم يكن يراه فإنَّ اللهَ يَراه، وتقديمِ مُسْتطاعِه من نفعِ العبادِ محتسبًا أجرَه على اللهِ؛ لا يريدُ منهم جزاءً ولا شكورًا. يايحي خذ الكتاب بقوة. عبادَ اللهِ! إنَّ الاستمساكَ بالعروةِ الوثقى تعامُلٌ أوجَبتْه الشريعةُ مع أعظمِ حقيقةٍ في الوجودِ؛ توحيدِ اللهِ؛ إذ ذاك الاستمساكُ هو غايةُ القوةِ في التشبُّثِ والتمكُّنِ من العَلَقِ بها، وقد عُبِّرَ عنها بصيغةِ الفعلِ الماضيِ الدالِ على الثبوتِ بالتحققِّ المؤكَّدِ: ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾، والذي كان ثمرةَ دوامِ الكفرِ بالطاغوتِ والإيمانِ باللهِ وغلبةِ تحقيقِ مقامِ الإحسانِ مع اللهِ ومع الخلْقِ.
يا من يعـز عـلـيـنـا أن نـفـارقـهـم وجـدانــنـا كل شيء بـعـدكـم عـــدم ولا يسعنا أحبتنا الكرام في هذا اليوم إلا أن ندعوا الله لنا و لكم التوفيق وإلى لقاء قريب وعلى الخير نجتمع.