ملامح العمارة الإماراتية القديمة لم تقتصر فقط على الشكل الخارجي للبيت وتصميمه العام، ولكنها أيضاً حملت خصوصية في تكوين المنزل من الداخل، استمدتها من العادات السائدة في المجتمع، من بينها الاهتمام بالمدخل الذي لا يسمح لمن في الخارج أن يرى أهل البيت أو يكشف أي جزء كبير من المكان. وغالباً ما تتكون البيوت القديمة من الفناء الداخلي أو (الحوش)، وهو فراغ مكشوف معظمه، وقد تتم تغطيه أجزاء منه، وغالباً ما يكون هذا الفناء أقرب إلى المربع، وتتوزّع حوله بقية أجزاء البيت ليلعب دور الرابط بين أجزاء المبنى الداخلي بعضها بالآخر وفق تدرج فراغي. Casadar - بيوت السعودية التراثية .. كيف كانت قبل المكيفات؟. متحف الشندغة تمثل منطقة الشندغة إحدى أقدم المناطق في دبي، وتضم نماذج من البيوت القديمة، من أبرزها متحف الشندغة وهو بناء يتكون من طابقين كان منزلاً للمغفور له الشيخ سعيد آل مكتوم، الذي كان حاكماً لدبي ما بين عامي 1912 - 1958. وبعد وفاة الشيخ سعيد، بقي بيته مهجوراً حتى تمت إزالته وإعادة بنائه بجوار موقعه الأصلي، وتم افتتاحه متحفاً أمام الجمهور سنة 1986. ويعرف البيت حالياً بمتحف الشندغة، إذ يقف شاهداً على تاريخ دبي في فترة ما قبل اكتشاف النفط. ويضم المتحف مجموعة من أبرز الصور التاريخية والخرائط والمعاهدات، وقطع النقود والطوابع التي توحي بالعديد من أوجه الحياة الاجتماعية الثقافية والتعليمية التي شهدتها دبي في الماضي.
وتابعت الدربي: تتميز البيوت القديمة بالرحابة والهدوء كما كانت توفر لساكنيها الطمأنينة، التي تحكمها طباع الناس الذين يسكنون متجاورين مع بعضهم بعضاً، مؤكدة: «تبقى ذكرياتها بحلوها ومرها لا تغيب عن البال وإن طالت السنين وتغيرت ملامحها. والأجمل في هذه الذكريات عندما نترك العنان لخيالنا نجده ينطلق في سماء الماضي الرحب ويذكرنا بأيامه الخوالي فأجمل شيء هو الحديث عن أسرار الماضي وذكرياته الحالمة». معان إنسانية وقال الكاتب عبدالله محمد السبب، إن البيوت القديمة، بيوت الذاكرة وأُناس الأزمنة الماضية، بكل ما تحمله تلك البيوت من معان إنسانية وسمات سامية وتفاصيل وفصول من حكايات تعيش في وجدان البشر وفي يومياتهم، مشيراً إلى أن بيوت الطين، بيوت السنين بما تضمنته من أحداث وبما احتوته من أهل وجيران، والعلاقات القائمة فيما بين البشر ومع البيئة والملامح الجغرافية والتاريخية. وقال «هذه البيوت الطينية المتناثرة في أرجاء دولة الإمارات، بأشكالها الهندسية المتباينة، المملوكة لبسطاء الأهالي وللمقتدرين على السواء؛ والمتراصة بتوزيع جغرافي متداخل، في حاجة ماسة إلى العناية بها من الحكومات المحلية، لجعلها قرى سياحية بما تنطوي عليه من تاريخ عتيق عريق، في سجل الذاكرة الإماراتية منذ ما قبل عهد الاتحاد».
هزاع أبوالريش (أبوظبي) للبيوت القديمة روح، تسكن في ذات الإنسان، وتجوب في ذاكرته لتبقى جزءًا منه، ومن كيانه، وتاريخه، وهويته، تبقى تلك الجدران الطينية التي تبين في أطرافها تشققات الزمن، شاهدة على فترة من حياة الذين ساروا، وجابوا عدة بقاعٍ ورقاع، تظل تلك البيوت على رغم بساطتها تسطر ملامح الإنسان بطبيعته الفطرية، وسجيته العفوية الخاليّة من الشوائب التي قد تعيق النفس وتحيق الذات، وتعرقل مشاعر الإنسان تجاه الآخر. كل السمات التي تحتويها تلك المنازل المصنوعة من الطبيعة لبناء ما يسد الحاجة، بعيداً عن الابتذال، والتكلف، جعلت ابن المكان يشعر بقيمة محيطة ومدى ارتباطه الوثيق بالحياة، على الرغم من المساحات الضيقة التي كانت تحتضنه. اعتماد على الطبيعة قالت فاطمة الدربي، كاتبة ومستشارة تربوية: إن البيوت في الإمارات اتسمت قديماً بالحياة البسيطة والاعتماد الكلي على الطبيعة ومصادرها التي لا تعد ولا تحصى، جعل الناس يستفيدون من كل هبة وهبها الله عز وجل من الطبيعة لهم مثل النخيل ورمال الصحراء وغيرها. فمادة الطين تشكل حجر الأساس في البيوت الإماراتية القديمة، التي سادت في فترة الخمسينيات والستينيات، وبعض هذه البيوت ما يزال قائماً، وبعضها اندثر أو فقدت معظم أجزائه ولكنه بقي معلماً وشاهداً على تاريخ فترة عريقة من الزمن، لافتة إلى أن البيوت إحدى فنون العمارة القديمة التي تعكس التطور الحضاري، وتعبر عن تطور حاجة الإنسان في كل زمان ومكان، فتلك البيوت المتلاصقة التي بنيت ترسم بعض معالمها بتجانس بهيج لم ترهق كاهل أصحابها في بنائها، تلك المساحات الطينية اتسعت لأصحابها في ذلك الوقت، وعلى الرغم من صغر مساحتها وكثرة عدد الأفراد القاطنين فيها، إلا أنها لم تضق ذرعاً بسكانها.