ورد ذكر الصدقة الجارية في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). والصدقة الجارية هي الوقف: قال النووي في شرح حديث: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية ـ.. وهي الوقف. كيف تكون نية الصدقة ؟ | المرسال. والوقف هي الصدقة التي يبقى نفعها ولا ينقطع بمجرد إخراجها ، كما قال النبي عليه الصلاة و السلام لعمر لما استشاره في أرضه بخبير ( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) ، فأوقفها عمر أنه ينتفع بثمرها وينفق على المحتاجين مع بقاء الأصل غير مملوك لأحد، فلا يجوز بيعه ولا هبته ولا يورث ونحوها من التصرفات. فالصدقة الجارية فيها أصل ينتفع به مع بقاء هذا الأصل موجودا مدة طويلة في الغالب كأرض وبناء وشجر وماء ونحو ذلك ، بخلاف الصدقة بمال أو طعام مثلا فهي صدقة لها أجرها ولكن لا تعد وقفا. وقد نص النبي عليه الصلاة والسلام على بعض أنواع الصدقة الجارية كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعٌ يجري للعبد أجرُهن وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علماً ، أو أجرى نهراً ، أو حفر بئراً ، أو غرس نخلاً ، أو بنى مسجداً ، أو ورَّث مصحفاً ، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته).
الزكاة المفروضة لا تحل إلا للأصناف الثمانية الذين خصهم الله في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) [التوبة: 60]، أمّا الصدقة فهي أوسع لأنّها تجوز على من يحتاجها وإن لم يكن فقيراً.
العمل على ترسيخ سلوك الصدقة: أن نستغل المناسبات ونبدأ بتقديم الصدقة، حتى نكون قدوة لتشجيع وحث الآخرين عليها، قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [البقرة: 44]، وقال تعالى: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ). [النساء: 114]. كيف تكون الصدقة في رمضان وبعض. فضل الصدقة تُقبل توبة المتصدق، وتغفر ذنوبه، ويباعد بينه والمعاصي قال تعالى: (وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 104] وقاية من النار، قال سبحانه: (وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) [سورة التغابن: 16]، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النّار، ولو بشق تمرة). الصدقة تطفيء غضب الله، وتكون سبباً للشفاء من الأمراض، وحفظ الدين، والصحّة، والأهل، والمال، وتمنع البلاء، وتشرح الصدر.
هل الله قادر على كل شيء
راحه، إن الله قادر على كل شيء ♥️ - YouTube
ومع قدرة الله عز وجل التامة على إنزال العقاب بمختلف أنواعه على عباده إذا هم عصَوه، فإنه سبحانه وتعالى عَفُوٌّ؛ قال عز وجل: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149]؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "إذا علمنا أن الله عفو، وأنه قدير، أوجب لنا ذلك أن نسأله العفو دائمًا، وأن نرجو منه العفو عما حصل منا من التقصير". فلنكثر من الدعاء بأن يعفو الله عنا؛ قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: ((أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني))؛ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "العفوُّ من أسماء الله تعالى، وهو يتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو من عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، وإذا عفا بعضهم عن بعض، عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته". إن ما يجري من حوادث وكوارث آياتٌ من الله لعباده منذرة، ومن سِنةِ الغفلة موقظة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]، فهي عبرة للحصيف العاقل، وتنبيه لسرعة التوبة من الغافل، وتذكير للمتباطئ عن الطاعة والمتثاقل ليسابق ويبادر، وحسرة على المصر المتغافل؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 60]، نسأل الله السلامة من حالهم، كما نسأل الله الكريم الرحيم أن يعفو عنا، وأن يرحمنا، وأن يتجاوز عنا، وأن يرفع عنا كل بلاء ومكروه، إنه سميع مجيب، هو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مرحباً بالضيف
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]، فالله جلت قدرته قادر على إرسال العذاب على العباد من فوقهم، ومن تحتهم؛ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "عنى بالعذاب من فوقهم: الرجم أو الطوفان وما أشبه ذلك مما ينزل عليهم من فوق رؤوسهم، ومن تحت أرجلهم: الخسف وما أشبهه". وقال الله عز وجل: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النساء: 133]؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أي: هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه؛ كما قال: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]؛ قال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره، وقال: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 19]؛ أي: وما هو ممتنع عليه". فالعباد مهما بلغت قدرتهم عددًا ومددًا، فلن تغنيهم من الله شيئًا، فقدرة الله سبحانه وتعالى ما زالت تُرِي عجيبًا، وتبدي غريبًا، لمن كان فطنًا لبيبًا، وتوقظ بزواجرها سالمًا ومربيًّا.