وقوله تعالى أن يخسف بكم الأرض بدل اشتمال من ( من) وجوز أن يكون على حذف الجار أي من أن يخسف ومحله حينئذ النصب أو الجر والباء للملابسة والأرض مفعول به ليخسف والخسف قد يتعدى قال الراغب يقال خسفه الله تعالى وخسف هو قال تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض [القصص: 81]. أي أأمنتم من أن يذهب الأرض إلى سفل ملتبسة بكم وزعم بعضهم لزوم لزومه وأن الأرض نصب بنزع الخافض أي أن يخسف بكم في الأرض وليس كذلك فإذا هي حين الخسف تمور ترتج وتهتز اهتزازا شديدا، وأصل المور التردد في المجيء والذهاب.
وتلك الروايةُ التي أوردها الحافظ العراقي في أماليهِ هكذا لفظها (الراحمون يرحمهم الرحيمُ ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء) وإسنادها حسن، ولا يجوز أن يقال عن الله أهل السماء فتُحمَلُ روايةُ (من في السماء) على أن المراد بها أهلُ السماء أي الملائكة، وكذلك يُحملُ قوله تعالى (ءَأمِنتُم من في السماءِ أن يخسِفَ بكُمُ الأرضَ) [سورة الملك 16] على الملائكة، ومعروفٌ في النحوِ إفرادُ ضميرِ الجمع، قال الله تعالى (ومنهُم مَّن يَستَمِعُ إليكَ) [سورة الأنعام 25] وقال تعالى (ومنهم من يستمعونَ إليك) [سورة يونس 42] وقال تعالى (ومنهم من ينظرُ إليك) [سورة يونس 43].
ونقل نصوص الأئمة في إجراء ذلك على الظاهر مع التنزيه من غير تأويل يفضي إلى مزيد بسط وتطويل وقد ألفت فيه كتب معتبرة مطولة ومختصرة. وفي تنبيه العقول لشيخ مشايخنا إبراهيم الكوراني أن إجماع القرون الثلاثة على إجراء المتشابهات على مواردها مع التنزيه ب ليس كمثله شيء [الشورى: 11] دليل على أن الشارع صلوات الله تعالى وسلامه عليه أراد بها ظواهرها والجزم بصدقه صلى الله عليه وسلم دليل على عدم المعارض العقلي الدال على نقيض ما دل عليه الدليل النقلي في نفس الأمر وإن توهمه العاقل في طور النظر والفكر. فمعرفة الله تعالى بهذا النحو من الصفات طور وراء ذلك انتهى. وأنا أقول في التأويل اتباع الظن وقول في الله ( عز وجل) بغير علم وإلا لاتحد ما يذكرونه من المعنى فيه مع أن الأمر ليس كذلك حيث يذكرون في تأويل شيء واحد وجوها من الاحتمالات وفيما عليه السلف سلامة من ذلك ويكفي هذا في كونه أحسن المسالك. وما ( علي) إذا ما قلت معتقدي دع الجهول يظن الجهل عدوانا وقرأ نافع «أأمنتم» بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية وأدخل أبو عمرو وقالون بينهما ألفا. ما معنى قوله تعالى: أأمنتم من في السماء. وقرأ قنبل بإبدال الأولى واوا لضم ما قبلها وهو راء النشور وعنه وعن ورش غير ذلك أيضا.
أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) يقول تعالى ذكره: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أيها الكافرون (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب
محمد حماد ترتيب السورة في القرآن (111) وآياتها خمس، وقد تناولت موضوعاً واحداً، حيث سجلت الرد القوي من القرآن الكريم، في مواجهة الحملة الشرسة البذيئة التي قادها كبراء قريش من المشركين ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضد دعوته، وكان على رأس هؤلاء جميعاً عمه أبولهب، الذي شارك في الحملة بماله وبكل عائلته وكل طاقته. سميت هذه السورة في أكثر المصاحف (سورة تبت) وكذلك عنونها الترمذي في جامعه وفي أكثر كتب التفسير، تسمية لها بأول كلمة فيها، وسميت في بعض المصاحف وفي بعض التفاسير (سورة المسد)، واقتصر في الإتقان على هذين الاسمين. السورة مكية بالاتفاق، وعدت السادسة من السور نزولاً، وقد نزلت بعد سورة المدثر والفاتحة وقبل سورة التكوير في الفترة المكية الأولى مع بداية العام الرابع للبعثة. يوم الصفا وسبب نزولها على ما في الصحيحين عن ابن عباس، قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم على الصفا، فنادى «يا صباحاه»، (كلمة ينادى بها للإنذار من عدو يصبّح القوم)، فاجتمعت إليه قريش، فقالوا له: مالك؟ فقال: «أرأيتم لو أني أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقونني؟» قالوا: ما جربنا عليك كذباً، فقال: «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، فقال أبولهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تعالى: «تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى ناراً ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسد».
فصعد الجبل فنادى: " يا صباحاه ". فاجتمعت إليه قريش ، فقال: " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أكنتم تصدقوني ؟ ". قالوا: نعم. قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك. فأنزل الله: ( تبت يدا أبي لهب وتب) إلى آخرها. وفي رواية: فقام ينفض يديه ، وهو يقول: تبا لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله: ( تبت يدا أبي لهب وتب). الأول دعاء عليه ، والثاني خبر عنه. فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه: عبد العزى بن عبد المطلب. وكنيته أبو عتبة. وإنما سمي " أبا لهب " لإشراق وجهه ، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له ، والازدراء به ، والتنقص له ولدينه. قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال: أخبرني رجل - يقال له: ربيعة بن عباد. من بني الديل ، وكان جاهليا فأسلم - قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: " يا أيها الناس ، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه. ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين ، يقول: إنه صابئ كاذب.
لماذا؟ ليقول الله للمسلمين وللكافرين وللدنيا بأسرها: إنّ قيمة النّسب والقرابة والوساطات تسقط عندي في الآخرة، وأنت لا قيمة لك حتى ولو إنك كنت ابنَ نبي، قال الله عن بيه نوح: ( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) [هود: 45]؛ فردّ الله عليه: ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) [هود: 45]، ولو كنت والدَ نبيٍّ، قال الله عن إبراهيم: ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة: 114]. لا قيمة لك ما لم تكن متبعا لهذا النبي. قال ربك العدل: ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) [المؤمنون:101]؛ ولذلك قال نبيك -صلى الله عليه وسلم- لابنته الغالية عليه كما في البخاري: " يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِى نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فإني لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ". عباد الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ لماذا اشتد سخط الله على أبي لهب؟ ألفاظ الآيات كلها وعيد وتقريع: تبت وتبت وسيصلى ونارا ولهب ولهب؛ كلها تظهر عظيم سخط الله على أبي لهب وأمثاله؛ افتتحت السُّورَة بالتباب: أي بالخسارة والهلاك تبت يدا: خصّ اليدين بالتباب، ثم أعاد وتبّ: أي جَمِيعِهِ لا يديه فقط؛ إِغْلَاظًا فِي شتمه وتقريعه، ثم توعده: ( سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)، وَالسِّينُ لِلتَّحْقِيقِ، وَ(يَصْلَى) يُشْوَى، أي: نار ذاتَ شرر وتوقد ولهيب وإحراق شديد ستحيط به.
إعراب القرآن الكريم: إعراب سورة المسد: الآية الأولى: تبت يدا أبي لهب وتب (1) تبت يدا أبي لهب و تب فعل ماض والتاء للتأنيث فاعل مضاف إليه حرف عطف فعل وفاعل ابتدائية لا محل لها لا محل لها معطوفة على ما قبلها تبت: تب: فعل ماض مبني على الفتح. التاء: تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب. يدا: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، وهو مضاف. أبي: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. لهب: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. الواو: حرف عطف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. تب: فعل ماض والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على أبي لهب. جملة "تبت يدا أبي لهب" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. جملة " تب " لا محل لها من الإعراب معطوفة على ما قبلها. تفسير الآية: خسرت يدا أبي لهب وشقي بإيذائه رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وقد تحقق خسران أبي لهب. التفسير الميسر
[٥] مناسبة سورة المسد لما بعدها: ذُكر في مناسبة سورة المسد لسورة الإخلاص قولان، وفيما يأتي ذكرهما: [٦] إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- ذكر في سورة المسد عداوة أبي لهب لرسول الله وما لاقاه النبيُّ من عبَّاد الأوثان، فجاءت بعدها سورة الإخلاص مصرحةً بالتوحيد لتردَّ على كلِّ عبَّاد الأوثان. إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- عندما ذمَّ أعداء الدين في سورة المسد، فقام في سورة الإخلاص ببيان حقية التوحيد وبأنَّه أساس الدين. دروس مستفادة من سورة المسد معلومٌ أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أمر المسلمين بتدبر كلامه عند قراءة القرآن، وفيما يأتي ذكر بعض الدروس المستفادة من سورة المسد: [٧] إنَّ المال والولد لا يُغني العبد من عذاب الله شيئًا. إنَّ النسب لا يشفع لصاحبه يوم القيامة. إنَّ عداوة القرابة هي من أعظم الابتلاءات التي يُبتلى بها الإنسان. إنَّ موت أبي لهب وزوجته على الكفر دليلٌ من أدلة صدق رسول الله. ملخّص المقال: نزلت هذه السورة بأبي لهب؛ لأنَّه دعا على رسول الله بالتباب والهلاك، ومكان نزول سورة المسد هو مكة المكرمة، وتعدُّ سورة المسد سادس السور من حيث ترتيب نزول سور القرآن الكريم، وقد احتوت سورة المسد على عددٍ من الدروس والعبر، من أهمها أنَّ الذي يُنجي المسلم من العذاب هو عمله وصدقه مع الله، وليس ماله ونسبه.
«هجانا صاحبك» روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ربيعة بن عباد الديلي وكان جاهلياً أسلم، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصر عيني بسوق ذي المجاز، يقول: «يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا» ويدخل في فجاجها، والناس متقصفون عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً، وهو لا يسكت يقول: «أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا»، إلا أن وراءه رجلاً أحول، وضيء الوجه، ذا غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب، فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد بن عبدالله، وهو يذكر النبوة، قلت: من هذا الذي يكذبه؟ قالوا: عمه أبولهب! لما نزلت السورة، جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ ومعه أبوبكر، فقال له أبوبكر: لو تنحيت لا تؤذيك بشيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيحال بيني وبينها، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر، هجانا صاحبك، فقال أبو بكر: لا ورب هذه البنية، ما نطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمصدق؟! فلما ولت، قال أبو بكر رضي الله عنه: ما رأتك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لا؛ ما زال ملكٌ يسترني حتى ولت».