والباطل: ضد الحق ، فكل ما كان غير حقّ فهو الباطل ، ولذلك قال تعالى في الآية الأخرى: { ما خلقناهما إلا بالحق} [ الدخان: 39]. ( والمراد بالحقّ المأخوذِ من نفي الباطل هنا ، هو أن تلك المخلوقات خلقت على حالة لا تخرج عن الحق؛ إمّا حَالاً كخلق الملائكة والرسل والصالحين ، وإمّا في المآل كخلق الشياطين والمفسدين لأن إقامة الجزاء عليهم من بعد استدراك لمقتضى الحق. وقد بنيت هذه الحجة على الاستدلال بأحوال المشاهدات وهي أحوال السماوات والأرض وما بينهما ، والمشركون يعلمون أن الله هو خالق السماوات والأرض وما بينهما ، فأقيم الدليل على أساس مقدمة لا نزاع فيها ، وهي أن الله خلق ذلك وأنهم إذا تأملوا أدنى تأمل وجدوا من نظام هذه العوالم دلالةً تحصل بأدنى نظر على أنه نظام على غاية الإِحكام إحكاماً مطرداً ، وهو ما نبههم الله إليه بقوله: { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً}.
ولذلك ايضا قيّد الايمان بالعمل الصالح اذ مجرد كونه مؤمنا لا يقتضي وضوح الفرق، وكم من الطغاة الاشرار يعتبرون في عداد المؤمنين حسب الظاهر. ثم أبدل التعبير بالمقابلة بين المتقين والفجار، فالمتّقون من أكمل الناس ايمانا واعتقادا وعملا. والتقوى يمنع من جميع المعاصي. والفجّار جمع فاجر من الفجر بمعنى الشق، ومنه الفجر الذي يشقّ الظلام، ويطلق على الفاسق لانه يشقّ ستر الديانة كما في المفردات. او بمعنى التفتّح ويطلق على الفجر لتفتّح الضياء فيه، ويطلق على من تفتّح في المعاصي وارتكب الكبائر والموبقات، كما في معجم مقاييس اللغة، ثم اطلق على كل ميل عن الحق توسعا في الاستعمال. وعليه فالمقابلة ايضا بين من هو واضح الاستحقاق للاكرام وهم المتقون ومن هو واضح الاستحقاق للعذاب وهم الفجّار بناءا على المعنى الاصلي للفجور حسب المعجم. ولعلّ تغيير المقابلة الى التعبير الثاني من جهة أنّ عنوان المفسدين في الارض يختصّ بمن يعتدي على الناس او ينشر المفاسد بينهم، وأما الفجّار فيشمل من يرتكب الموبقات الشخصية ايضا. تفسير قوله تعالى: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا. كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدّبّروا آياته... اي هذا كتاب، والكتاب هو المكتوب اي المجموع، فلا يعتبر ان يكون النازل بصورة كتابة بالمعنى المعروف، وانما هو مجموعة من الآيات.
و(مبارك) من البركة وهي الخير الكثير، وتأتي الكلمة دائما مبنيا للمجهول لأن فاعله هو اللّه تعالى. وفي هذا الكتاب خير كثير للبشر لا غنى لهم عنه، بل كل الخير فيه لانه يحذّر الانسان من الخطر المحدق به في حياته الدائمة الابدية، ويعلّمه ما يجب فعله وتركه ليفوز بالخير الدائم، فلا يعتبر ما عداه من الخير في هذه الدنيا خيرا ان لم يكن معه. وقوله (ليدّبّروا) في الاصل: (يتدبّروا) وهو تعليل للانزال، فهذا الكتاب انزل لا للقراءة فحسب، بل ليتدبّر الناس آياته. والتدبّر مأخوذ من الدُبُر اي مؤخرة الشيء، والمراد عاقبته ونهايته. ومعنى التدبّر في الآيات النظر في غاية ما يقصد بها من معان دقيقة وعدم الاكتفاء بمعرفة الظاهر. وليتذكّر اولوا الالباب... التذكّر لا يطلق الا في ما كان الانسان يعلمه فنسيه، ولكن القرآن يطلقه على ما هو مرتكز في فطرته فتناساه لتوغّله في الدنيا ومتابعته للاهواء. والالباب جمع لب، وهو الخالص من كل شيء، والمراد به هنا العقل ولكن لا بمعنى الادراك والفهم، بل بمعنى تحكيم العقل والعمل وفق مقتضياته، وهو الذي يوجب التذكّر لما تقتضيه الفطرة من الايمان باللّه تعالى وباليوم الآخر. قال العلامة الطباطبائي رحمه اللّه: (والمقابلة بين "ليدّبّروا" و"ليتذكّر اولوا الالباب" تفيد أن المراد بضمير الجمع الناس عامّة.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ (٢٩) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ عبثا ولهوا، ما خلقناهما إلا ليعمل فيهما بطاعتنا، وينتهى إلى أمرنا ونهينا. ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يقول: أي ظنّ أنَّا خلقنا ذلك باطلا ولعبا، ظنّ الذين كفروا بالله فلم يُوَحِّدُوه، ولم يعرفوا عظمته، وأنه لا ينبغي أن يَعْبَث، فيتيقنوا بذلك أنه لا يخلق شيئا باطلا. ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ يعني: من نار جهنم. * * * وقوله ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ﴾ يقول: أنجعل الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمر الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه ﴿كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ﴾ يقول: كالذين يشركون بالله ويعصونه ويخالفون أمره ونهيه.
ترك فقيد الإعلام "ماجد الشبل" الألم وسماً على قلوب تلاميذه يئن مرتين؛ الأولى فطرها حزناً لرحيله.. والأخرى أسى يعتصرها لفراقه الدنيا قبل تكريمه.. المذيع ماجد الشبل في ذمة الله بعد معاناة مع المرض. ولا وصف لكلمات المذيعين القدامى (الدكتور سليمان العيدي، وسبأ باهبري، وجبريل أبو دية، وحامد الغامدي) وهم يعددون مناقب "الراحل"؛ إلا "الوفاء" لكبيرهم الذي علّمهم الاحتراف في زمن الهواة. الدكتور سليمان العيدي، سمّى نفسه بأحد تلاميذ المذيع ماجد الشبل، رحمه الله؛ قائلاً لـ"سبق": بهذه المناسبة الحزينة أعزي الوسط الإعلامي وأسرة "ماجد" برحيل أحد "أعلام الإعلام"، فقيد الساحة الإعلامية، ومنذ أكثر من 50 عاماً من نشأة التلفزيون السعودي كان هذا الرجل هو المؤسس لمكتبة التلفزيون، وهو رمز إعلامي كبير، ترك جيلاً تتلمذ على يديه وأنا منهم. وأضاف: "من حسن حظي أنني تتلمذت على يديه، وعمِلت معه، وكنا نقرأ الأخبار والمناسبات الملَكية، وتعلمتُ منه الكثير، وكان له برامج مؤثرة من بينها "بقايا الأمس"، ولا أنسى عندما كان في آخر يوم من تقاعده وقال لي: ثق أنني سعيد لأنني أصبحت في كل بيت سعودي". وختم "العيدي": الآن وبعد أن أصبحت مشرفاً على قناة القرآن الكريم، بادرت وفاء لزميلنا الشبل بتقديم دعائه المشهور بصوته عقب كل صلاة عشاء وصلاة فجر.
همس النسيم شعر ماجد الشبل - YouTube
الجلطة.. والتكريم وبمشاعر الحزن وعظيم الفقد يروي المذيع المعروف "جبريل أبو دية" قصته مع الراحل قائلاً: ماجد الشبل -تغمّد الله روحه الجنة- أحد ركائز التلفزيون السعودي، وكلنا تلاميذه، وبعد أن تعرّض للجلطة كان لديه إصرار على الحضور والعمل، وكانت ابتسامته لا تفارقه أبداً، وأذكر أن الأمير سلمان عندما كان أميراً على منطقة الرياض زاره في المستشفى التخصصي، وكنا متواجدين، وقلنا له: "زيارتك ليست لماجد فقط؛ بل هي زيارة لنا كلنا". وأوضح: من حسنات الزميل الراحل سليمان العيسى، أن جعل ماجد الشبل في جدول الأخبار حتى وهو يعاني من تَبِعات الجلطة، كما أن البرنامج الجماهيري في ذلك الوقت "المملكة هذا الصباح" قدّم الحلقة الافتتاحية زميلنا ماجد، وطلب "ماجد" أن يصاحبه في الاستديو أحد المذيعين الشباب، واختار محمد خيري، وكانت الحلقة مثيرة ويتابعها وزير الإعلام. بعد معاناة مع المرض : الموت يغيب المذيع “ماجد الشبل” » صحيفة الإخبارية مباشر الإلكترونية. وتابع "أبو دية": الراحل ماجد كان جامعة في المهنية، وأتذكر أنه كان يقدم المشاريع التي يفتتحها الملك فهد ارتجالياً وبدون أوراق، وماجد حُرِم من التكريم الرسمي، ومن تكريم وزراء الإعلام، وكان الأمير سلمان يزوره آنذاك وهو على سرير المرض، ولم يزره أي وزير أو وكيل وزارة.
انتقل إلى رحمة الله تعالى المذيع المعروف ماجد الشبل بعد صلاة عشاء اليوم الأربعاء في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وسيصلَّى عليه بعد صلاة عصر غد الخميس بجامع الملك خالد بحي أم الحمام بالرياض. والفقيد هو محمد عبدالله محمد الشبل، سماه والده محمدًا، وهو اسمه الرسمي، وسمته والدته ماجدًا؛ فكان اسم الشهرة حتى توفي – رحمه الله -. وغادر جد الفقيد مدينة عنيزة في منطقة القصيم مع العقيلات إلى بلاد الشام قديمًا، وسكن في مدينة دمشق، وتوفي والده ودفن فيها. ووالدته من عائلة سورية،انتقلت معه إلى الرياض، وتوفيت ودفنت فيها، وله ابنة واحدة، ويلقَّب بأبي راكان. تلقى تعليمه في مدينة دمشق، وعمل عندما كان طالبًا في التلفزيون السوري، ثم عاد إلى موطنه الأصلي في الستينيات الميلادية، واستقر في مدينة الرياض؛ ليعمل في التلفزيون السعودي في بداياته. وتعود جذور الفقيد إلى أسرة الشبل المعروفة في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم. واشتُهر الفقيد بتقديمه البرنامج الرمضاني (حروف)، وكذلك برنامج (شاعر وقصيدة)، وتقديمه نشرات الاعلامفي القناة الأولى. في عام 1420هـ أُصيب بجلطة؛ أدخلته المستشفى؛ وصدر قرار الملك فهد - رحمه الله – بعلاجه، وتعافى من جلطته، وعاد للعمل الإعلامي لفترة وجيزة، إلا أن أعراض المرض وكِبَر السن أنهكاه كثيرًا؛ وترك العمل الإعلامي خلال عام 1421هـ.