[٣] [٤] وحرّمت الشريعة الإسلامية إيذاء أو ضرب أو قتل القطط والحيوانات؛ وجعلتها سبباً لدخول النار، وقد ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، ولَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأرْضِ). حديث الرسول عن القطط. [٥] وقد دل الحديث السابق على أهمية الرفق بالقطط، وعدم إلحاق الأذى بهم والإحسان إليهم، وأن في عدم الرفق بهم، وضربهم وقتلهم يعد سبباً لدخول النار. [٤] تحصيل رحمة الله إنّ الاعتناء بالقطط هو من الرحمة؛ فقد ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ اللَّهُ، ارحَموا أَهْلَ الأرضِ يرحمُكُم مَن في السَّماءِ). [٦] وتدل كلمة الراحمون في هذا الحديث على الذين يرحمون من في الأرض؛ سواء كان إنساناً، أو حيواناً، أو طائراً، فإن الله -سبحانه وتعالى- يرحمهم برحمته التي وسعت كل شيء؛ فيتفضل عليهم بالعفو والمغفرة. [٧] مكانة العناية بالقطط في الإسلام نظرة الإسلام إلى الحيوان هي نظرة واقعية؛ من حيث أهميته في الحياة، ونفعه للإنسان، ومشاركته في إعمار الكون، ويدل على ذلك كون بعض سور القرآن الكريم سميت بأسماء الحيوانات؛ مثل: سورة البقرة، والأنعام، والنحل، والفيل، وغيرها.
تحصينه داخلياً وخارجياً. القتل هو سلطان العقوبات، العقوبة السيدة أو السيادية، التي تعود بأعلى حصانة على السلطان. تعريف «الأمة»، والوطني والخائن، وتقرير العقوبة السيدة، وفرض كل من التعريف والعقوبة قاعدة عامة، هي من خصائص السيادة في كل حين. كانت الدولة تنسب للسلالات، وليس للأمة. ابن عباس من أسلاف السلالة العباسية. يمكن المجادلة في أفضلية خيار قتل المرتد في أي وقت، وقد جادل فيه أمثال ابن المقفع، وقتل بسبب جداله فيما يبدو. من بدل دينه فاقتلوه الدرر السنية. من جهتنا لا نرى هذا الخيار أفضل من تحصين نظمنا المعاصرة نفسها بأسيجة من التخوين. مقابل حديث الآحاد هذا لدينا آية قرآنية تقول «لا إكراه في الدين»، هي التعريف الصحيح للدين. لا معنى للفرض الدين بالإكراه. حيث الدين لا إكراه، وحيث الإكراه لا دين. هذا لأن أساس الدين هو الإيمان، ولا إيمان لمن ليس آمناً. يخترق تاريخ الإسلام كله توتر بين اقتلوا من بدل دينه وبين لا إكراه في الدين، بين الدولة والدين، السلطان كخاصية للدولة والإيمان كجوهر للدين. هذا توتر يواجهنا اليوم وفي مقبلات أيامنا. ويتعين علينا أن نقبل المواجهة. ولا نرى حلاً لهذا التوتر غير الفصل بين السيادة (تعريف الوطنية + الإكراه والعقوبة السيدة + الولاية العامة) والدين (الإيمان والطوعية).
لكن ندع هذا النقاش هنا، لنلتفت إلى خصائص المادة الغرافيكية التي بين أيدينا. لا تحمل المادة إشارة إلى زمان أو مكان. نحتاج إلى معلومات خارجية كي نعرف أن هذا التشكيل الغرافيكي كتب على حائط في بلدة «بنش» التابعة لمحافظ إدلب شمال سورية. نحتاج إلى معلومات خارجية أيضاً لنعرف أن الحديث/ الشعار/ الإنذار كتب في نحو 20 شباط 2013. نشر على صفحات الفيسبوك في مثل هذا الوقت على الأقل. في سورية اليوم المسافة بين صنع المعلومات وتعميمها ضيقة جداً. في هذا (وفي كثير غيره) تنقض الثورة النظام نقضاً جذرياً. من بدل دينه فاقتلوه - ملتقى الخطباء. هذه السرعة في الإيقاع مرتبطة بصورة وثيقة باتساع قاعدة المبادرة والفعل، وبتمتع عدد كبير من السوريين اليوم بقدر من «الحرية الطبيعية» ما كانوا يتمتع به أحد من قبل، ولا يكاد يحظى بمثله كثيرون في عالم اليوم. أعني الحرية غير المنظمة، الحرية البرية أو «الحرية خارج الدولة». وهذا ضرب تأسيسي من الحرية ملازم للثورات وسقوط الدول، لكنه ينذر بعودة إلى البداوة، أو إلى «الحالة الطبيعية» من «حرب الجميع ضد الجميع»، إن لم ينضبط بقواعد تكفل حرية متساوية لجميعهم، «الحرية داخل الدولة» التي لا حرية غيرها في قول عبدالله العروي. نلح على هذه النقطة بغرض إبراز المفارقة بين الحرية الطبيعية المتاحة للسوريين في البيئات الثائرة وبين مضمون الحديث/ الشعار المنقوش على جدار في «بنش».
المنقوش على جدار، وليس المرفوع في لافتة. الجدار يمنح الكلام صلابة ودواماً، خلافاً للافتة ترفع لبعض الوقت، تنزوي بعدها في مكان خاص، أو ربما تنصب في مكان عام لتنال منها عوامل البلى والخراب. بمضمونه السلطوي ونقشه على الجدار الإسمنتي يراد للكلام أن يكون رسالة صلبة، من الإسمنت المسلح، لمبدلي دينهم. من هم؟ ليسوا محددين. حديث من بدل دينه فاقتلوه. جميعنا. إذا أمكن للبعثيين التوسع في التخوين ليشمل كل من لا يشبههم، وتاليا إبادة المختلفين سياسياً، وفيزيائياً حين يناسبهم، فليس هناك ما يسوغ الاعتقاد بأن مجاهدي «جبهة النصرة» لن يفعلوا ما يشبه ذلك وأكثر منه. الجماعة يجاهرون بذلك، ويكتبونه على جدار إسمنتي، ويقولون إنه «حكم المرتد». لا داعي إذن لمحاكمة ودفاع، ولا لتفكير وبحث، ولا… فلسفة. الحكم صلب وواضح ودائم، صلابة الجدار الإسمنتي ودوامه. يثور سؤال هنا: إن كان الناس في سورية مسلمين، فلماذا تريد النصرة أسلمتهم؟ وإن لم يكونوا مسلمين، كيف يجري تهديهم بالقتل لتبديل دينهم؟ وبأي حق أصلاً تعرف «جبهة النصرة» أو غيرها دين السوريين، وتبديله المحتمل، وقتل المبدلين المفترضين؟ ما يمكن أن يحول دون إباحة الناس على هذه الصورة الفظة هو أن لا يستطيع «النصرويون» فعل ما في عقولهم، أي موازين قوى اجتماعية وسياسية رادعة، تحول دون أن يقتل طرف سياسي أو ديني من لا يوافقون هواه أو عقيدته.
وكل هذه الجرائم جرائم متناهية في البشاعة، فاستحق العقوبة الشرعيّة على جرائمه تلك. إن القوانين الوضعيّة تقتل الخائن لها والمحطّم لنظمها دون أن تتذرع بأنّه يمارس حريته الشخصيّة؛ فكيف بمن يجرم في حق نفسه ومجتمعه وعقيدة أمته؟!.