( وتظنون بالله الظنونا) أي: اختلفت الظنون; فظن المنافقون استئصال محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي عنهم ، وظن المؤمنون النصر والظفر لهم. قرأ أهل المدينة والشام وأبو بكر: " الظنونا " و " الرسولا " و " السبيلا " بإثبات الألف وصلا ووقفا ، لأنها مثبتة في المصاحف ، وقرأ أهل البصرة وحمزة بغير الألف في الحالين على الأصل ، وقرأ الآخرون بالألف في الوقف دون الوصل لموافقة رءوس الآي. ( هنالك ابتلي) أي: عند ذلك اختبر المؤمنون ، بالحصر والقتال ، ليتبين المخلص من المنافق ( وزلزلوا زلزالا شديدا) حركوا حركة شديدة.
(2) تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أبو حيان الأندلسي، 101، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م.
وقولهن: أو تدبروا نفارق. أي: إن تحاولوا الفرار والإدبار نفارقكم ونهجركم ونخالعكم. وقولهن: فراق غير وامق. أي: فراق غير محب، فالفراق طلاق الخلع، وليس فراق الدلال والدلع.
وكم قتل نساء المسلمين من هؤلاء الذين فروا من المعركة، وكان الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه هو القائد الأعلى للمعركة، وهو الخليفة المحمدي النبوي، ولم يستنكر على خالد أمره النساء بقتل الفارين من المعركة، بل ولا عمر الذي كان شديداً على خالد حتى عزله وولى مكانه أبا عبيدة عامر بن الجراح ؛ لكنه لم يقل فيما قال عن خالد: إنه قتل أناساً لا يستحقون القتل من هؤلاء الفرارين. دلالة قوله تعالى وبلغت القلوب الحناجر. وفي معركة أحد فعل هذا نساء المقاتلين من كفار مكة في جيش أبي سفيان وهو قائد الكفر إذ ذاك، فقد أوقف النساء خلف جنده وذلك عندما رأى البعض يفرون، وكانت المعركة في أوائلها في صالح المسلمين، إلى أن خالف الرماة أمر النبي عليه الصلاة والسلام وتركوا التلال والجبال التي هم عليها، فتركوها فكان ما كان من تمحيص المسلمين، فكان نساء قريش خلف مقاتليهن ومحاربيهن وهن يقلن: نحن بنات طارق نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق وبنات طارق هن بنات النجم، أي: لسنا من سكان الأرض، بل نحن أعلى شأناً، كما هو حال الكفار في كل عصر، فهم يمشون على السجاد؛ لأنهم أغنياء رأسماليين مترفين. فقولهن: إن تقبلوا نعانق. يرغبن أزواجهن في القتال وعدم الرجوع والفرار.
روت دمائهم أرض سيناء فشهد لهم أهل الأرض جميعا وأيدتهم عناية السماء، نعم الله أكبر فوق كيد المعتدين، الله أكبر فوق غدر الغادرين، الله أكبر فوق مكر الماكرين، قاتلين الأطفال، وبحر البقر شاهدة وأطفالها شهود عليكم، لكنهم سيأتون يوم القيامة فرحين بما آتاهم الله من فضله، فرحين وهم يرون أبطالنا ممسكين بأكاليل الغار وورود النصر، نعم يا جند الله لم تخذلوهم وأخذتم بثأرهم، نعم فلله دركم وسلام عليكم فى الأولين وفى الآخرين.