وبمثل هذه الأحاديث يدلّنا الرسول صلى الله عليه وسلم على السبيل إلى مرافقته في الآخرة، وإلى إحراز الألطاف والأفضال التي حازها؛ وهذا يبين مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ورحمته بهم.. والقرآن الكريم يقول في معرض حديثه عن ذلك: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (سورة التَّوْبَةِ: 9/128). والواقع أن الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي تكليف لنا من ربنا سبحانه وتعالى، وبدأ تعالى بنفسه فقال: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (سورة الأَحْزَابِ: 33/56)، وكما هو معلوم فإن الصلاة بالنسبة لله تعالى تعني الرحمة، وللملائكة تعني الاستغفار، وللمؤمنين تعني الدعاء، وهذا البيان القرآني يُظهر في الوقت ذاته مقام النبي صلى الله عليه وسلم وقدره عند ربه؛ لأن صلاة الله عليه ورحمته ومغفرته له؛ كلُّ ذلك وعدٌ منه تعالى بالسلامة والأمان له صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، ولا تجعلوا قبري عيداً ، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) رواه أبو داود (2042) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7226). قال علماء اللجنة الدائمة: تحميل الإنسان غيره السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأموات: ليس مشروعاً ، بل هو بدعة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار). فالواجب ترك هذا العمل وتنبيه من يقع فيه إلى أنه لا يجوز ، ومِن فضل الله علينا أن جعلَ سلامَنا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يبلغه أينما كنَّا ، في مشارق الأرض ومغاربها ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام) رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( خير أيامكم يوم الجمعة ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تجعلوا قبري عيداً ، ولا بيوتكم قبوراً ، وصلُّوا عليَّ ، فإن صلاتكم تبلغني أين كنتم) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد. "
↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6210، صحيح. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمرو بن الأحوص، الصفحة أو الرقم:2159، صحيح. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمرو بن الأحوص، الصفحة أو الرقم:3087، حسن صحيح. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:1741، صحيح. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:39، صحيح. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1218 ، صحيح. ↑ أبو أسماء محمد بن طه، الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية بترتيب أحداث السيرة النبوية ، صفحة 589. بتصرّف. ↑ محمد جميل زينو، مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع ، صفحة 32-33. بتصرّف.
[١٤] من فضائلها نذكر بعض فضائلها -رضي الله عنها-: أنَّ الله -سبحانه وتعالى- بعث لها السَّلام مع جبريل وبشرها ببيت في الجنَّة فقد روى البخاري عن أبي هريرة قوله: (أَتَى جِبْرِيلُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ: هذِه خَدِيجَةُ قدْ أتَتْ معهَا إنَاءٌ فيه إدَامٌ، أوْ طَعَامٌ أوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هي أتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِن رَبِّهَا ومِنِّي وبَشِّرْهَا ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ، ولَا نَصَبَ). [١٥] أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر ذكرها بعد وفاتها ويصل صاحباتها ببره، حتى غارت منها أمُّنا عائشة -رضي الله عنها- روى ذلك البخاري عنها -ضي الله عنها-: (ما غِرْتُ علَى أحَدٍ مِن نِسَاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما غِرْتُ علَى خَدِيجَةَ، وما رَأَيْتُهَا، ولَكِنْ كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، ورُبَّما ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّما قُلتُ له: كَأنَّهُ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إلَّا خَدِيجَةُ، فيَقولُ: إنَّهَا كَانَتْ، وكَانَتْ، وكانَ لي منها ولَدٌ).
وكما رفع الله النبيَّ الأكرم صلى الله عليه وسلم مقامًا عاليًا وربطَ به كلَّ شيءٍ وكأنه مركز اتصال؛ فعلينا نحن أيضًا أن نظلَّ مخلصين له، وأن نستمد منه النور الذي يضيء لنا الطريق المؤدي إلى الله، ولا يجوز لنا أن نتنازل أو نتخلّى عن أيٍّ من الأمور التي عهد بها إلينا. قد تُحرز الإنسانية تقدُّمًا كبيرًا في العلوم والأفكار والفلسفة، وتنشئ أنظمة بالغة الأهمية، وتعرض ضوابط جيدة للغاية فيما يتعلق بالحياة الفردية والعائلية والاجتماعية، وقد ينفتح علماء النفس والتربويون على اكتشافات جديدة في التربية البشرية، ومن الممكن أيضًا أن تعِد العلومُ الطبيعية الإنسانيةَ بخيرٍ وجمالٍ عظيمين؛ ولكن كلّ هذه جماليّات نسبيّة من ناحية ما.. فلا ينبغي التضحية مقابل ذلك بنمط الحياة الذي وعدَنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقدمه لنا كنظامٍ متكامل رائع، حتى لا نقع ضحيّة للأهواء والشهوات.