كذلك نور في حشره يوم القيامة؛ كما أخبر بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ» [2]. فهي نور للإنسان في جميع أحواله، وهذا يقتضي أن يحافظ الإنسان عليها، وأن يحرص عليها، وأن يكثر منها حتى يكثر نوره وعلمه وإيمانه. وأما الصبر فقال: إنه ضياء؛ فيه نور؛ لكن نور مع حرارة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾ [يونس: 5]. فالضوء لابد فيه من حرارة، وهكذا الصبر، لابد فيه من حرارة وتعب؛ لأن فيه مشقة كبيرة، ولهذا كان أجره بغير حساب. فالفرق بين النور في الصلاة والضياء في الصبر، أن الضياء في الصبر مصحوب بحرارة؛ لِمَا في ذلك من التعب القلبي والبدني في بعض الأحيان. حديث: الطهور شطر الإيمان. وقوله: «الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ». الصدقة: بذل المال تقربًا إلى الله - عز وجل - فيبذل المال على هذا الوجه للأهل، والفقراء، والمصالح العامة؛ كبناء المساجد وغيرها؛ برهانًا على إيمان العبد؛ وذلك أن المال محبوب إلى النفوس، والنفوس شحيحة به، فإذا بذله الإنسان لله، فإن الإنسان لا يبذل ما يحب إلا لما هو أحب إليه منه؛ فيكون في بذل المال لله - عز وجل - دليل على صدق الإيمان وصحته؛ ولهذا تجد أكثر الناس إيمانًا بالله - عز وجل - وبإخلافه؛ تجدهم أكثرهم صدقة.
كل لقمة يرفعها الكافر إلى فمه فإنه يعاقب عليها، وكل شربة يبتلعها من الماء فإنه يعاقب عليها، وكل لباس يلبسه فإنه يعاقب عليه. والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الأعراف: 32]؛ للذين آمنوا لا غيرهم، ﴿ خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾؛ يعني: ليس عليهم من شوائبها شيء يوم القيامة. فمفهوم الآية الكريمة: ﴿ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾؛ أنها لغير المؤمنين حرام، وأنها ليست خالصة لهم يوم القيامة، وأنهم سيعاقبون عليها. معني الطهور شطر الايمان للاطفال. وقال الله في سورة المائدة؛ وهي من آخر ما نزل: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾ [المائدة: 93]؛ فمفهوم الآية الكريمة: أن على غير المؤمنين جناح فيما طعموه. فالكافر من حين ما يصبح - والعياذ بالله - وهو بائع نفسه فيما يهلكها، أما المؤمن فبائع نفسه فيما يعتقها وينجيها من النار. نسأل الله أن يجعلنا جميعًا منهم. في آخر هذا الحديث بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الناس ينقسمون إلى قسمين: قسم يكون القرآن حجة لهم؛ كما قال: «والقرآن حجة لك».
وقد أوضحت في حلقة سابقة أن الشطر في لغة العرب يطلق إطلاقاً مستوياً على النصف والجزء. وخير وسيلة لفهم مراد الشرع: أن يفسر بلغة العرب على الوجه الأوضح دون تأويل. معني الطهور شطر الايمان in english. والوقفة الرابعة: عند قوله -صلى الله عليه وسلم-: (والحمد لله تملأ الميزان)؛ فهذا كناية عن عظم أجرها، ومضاعفته. وفي عرف الشرع أن الحسنات تثقل الموازين كما قال سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [سورة القارعة/ 6- 7]، وأن السيئات تخفف الميزان، {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [سورة القارعة/ 8- 9]. وإلى لقاء في الجمعة القادمة إن شاء الله تعالى. والله المستعان.
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَارِثِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، َوالْحَمدُ للهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائعٌ نَفسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُها». رواه مسلم [1]. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: سبق لنا الكلام علي الآيات التي ساقها المؤلف - رحمه الله تعالى - في الصبر وثوابه والحث عليه، وبيان محله، ثم شرع رحمه الله في بيان الأحاديث الواردة في ذلك. قال الرسول عليه السلام الطهور شطر الايمان والايمان في الحديث بمعنى - موقع محتويات. فذكر حديث أبي مالك الشعري - رضي الله عن ه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الطهور شطر الإيمان» الحديث، إلى قوله «والصبر ضياء»؛ فبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن الصبر ضياء؛ يعني: أنه يضيء للإنسان، عندما تحتلك الظلمات، وتشتد الكربات، فإذا صبر؛ فإن هذا الصبر يكون له ضياء يهديه إلى الحق. ولهذا ذكر الله - عز وجل - أنه من جملة الأشياء التي يستعان بها، فهو ضياء للإنسان في قلبه، وضياء له في طريقه ومنهاجه وعلمه؛ لأنه كلما سار إلى الله - عز وجل - على طريق الصبر؛ فإن الله -تعالى- يزيده هدى وضياء في قلبه ويبصِّره؛ فلهذا قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «الصبر ضياء».
((والصلاة نورٌ))؛ لأنها تمنع عن المعاصي، و تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتهدي إلى الصواب، كما أن النور يستضاء به، وهي كذلك نور يوم القيامة؛ كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾ [الحديد: 12]. شرح حديث: الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان. ((والصدقة برهانٌ))؛ أي: دليل على صحة إيمان صاحبها، وسميت صدقة؛ لأنها دليل على صدق إيمانه، وبرهان على قوة يقينه. ((والصبر ضياءٌ)) فمعناه: الصبر المحبوب في الشرع، وهو الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر أيضًا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئًا مستهديًا مستمرًّا على الصواب. قال ابن عطاء: الصبر: الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وقال أبو علي الدقاق: حقيقة الصبر ألا يعترض على المقدور، فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى، فلا ينافي الصبر؛ قال الله تعالى في أيوب عليه السلام: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44]، مع أنه قال: ﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾ [الأنبياء: 83]؛ قاله النووي [5] ، والله أعلم. ((والقرآن حجةٌ لك أو عليك)) والقرآن حجة لك أي عند الله عز وجل، أو حجة عليك، فإن عملت به كان لك، وإن أعرضت عنه كان حجة عليك.