وقدم الفريق لجلالة الملك المفدى شرحاً عن هذا الكتاب التوثيقي الذي يرصد بالصور جوانب من سيرة المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب لله ثراه وإنجازاته الخالدة في النهوض بمملكة البحرين. وقد قدم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى لكتاب (عيسى) بكلمة عبر فيها عن ترحيبه بفكرة مؤسسة التراث الخيرية بإصداره، مؤكداً جلالته أنه يأتي في إطار العلاقات التاريخية العميقة بين البلدين الشقيقين. وقال جلالته: «رحبنا أجمل ترحيب بفكرة إصدار هذا المجلد المصّور عن صاحب السمو الوالد الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، فهذه الفكرة الأخوية الصادقة تعبر عن شعور قادة المملكة العربية السعودية، ومسؤوليها كافة حيال بلدهم الثاني مملكة البحرين». ثم ألقى د. أسامة محمد نور الجوهري أمين عام مؤسسة التراث الخيرية كلمةً قال فيها: «جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يسر مؤسسة التراث الخيرية أن تهدي إلى جلالتكم الكتاب المصور عن صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة - أمير دولة البحرين الراحل، طيب الله ثراه - الذي أصدرته برعايتكم الكريمة، توثيقاً لمسيرة نهضة شاملة في مملكة البحرين الشقيقة، قادها الراحل العظيم بحنكة وحكمة حتى غدت دولة عصرية لها مكانتها، إلى جانب إسهامه الكبير - رحمه الله - في مسيرة أمته طوال عقود، مع ما كان له دور مقدر على المستوى الدولي والإنساني، مما أكسبه احترام العالم.
أما بك يا بحرين فجرك أسود؟ وما بك طير في الربيع يغرد أما نحن في فصل الربيع؟ فتمتمت فرائصها والحزن في الصدر يرعد وقالت أما تدري بعيسى وقد مضى وعيسي هو السيف الذي أتقلد وها أنذا مفجوعة بعد فقده فلا الصبر يجدي لا ولا الحزن ينفد واقفًا خلف والده الشيخ سلمان ومتوسطًا شقيقيه خليفة ومحمد بهذه الأبيات ودع شاعر «أوال» الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، أميره حاكم البحرين العاشر المغفور له سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد بن عيسى بن علي بن خليفة بن سلمان بن أحمد (الفاتح) بن محمد بن خليفة آل خليفة الذي انتقل إلى جوار ربه في مثل هذا الشهر من عام 1999. يتفق الذين عرفوا الراحل الكبير عن قرب، وأولئك الذين راقبوه عن بعد على أنه كان طرازا نادرا من الحكام، بل ظاهرة غير قابلة للتكرار. ومن هنا فإن عنصر المفاجأة في رحيله الصامت على إثر نوبة قلبية حادة لم يكن وحده سبب تلك الصدمة العميقة في الشارعين البحريني والخليجي، وإنما كان للموضوع جوانب أخرى جديرة بأن تروى، خصوصا للأجيال الجديدة التي لم تعاصره. الأشقاء الثلاثة من اليسار: عيسى وخليفة ومحمد في الخمسينات بدأت قصة الشيخ عيسى رحمه الله بميلاده في قرية الجسرة في الثالث من يونيو سنة 1933 الذي صادف اليوم التاسع من شهر صفر من عام 1352 للهجرة، ابنا من أبناء آل خليفة الكرام الذين حكموا البحرين منذ عام 1782، واكتملت فصولها بوفاته في السادس من مارس سنة 1999 وهو يؤدي مهامه الرسمية بقصره في الرفاع.
صورة نادرة للشيخ عيسى في طفولته وبخلاف تلك المواكب الرسمية، فإن البحرينيين يتذكرون كيف أن أميرهم الراحل كان حريصا في أحايين كثيرة على التجوال دون مركبات مسرعة تتحرك من أمامه أو من خلفه، وكيف أن يده كانت على الدوام تخرج من نافذة سيارته، ملقية التحية والسلام على المارة العابرين من أبناء شعبه، قبل أن يتعرف هؤلاء على هويته ليرفعوا هم أياديهم بالتحية. ليس هذا فحسب، وإنما هناك الكثير من القصص التي تروى عن حوادث وقعت على الطرقات خارج المناطق السكنية المأهولة لأناس من عامة الشعب، وكان المنقذ فيها هو الأمير عيسى بن سلمان بفعل مروره بالمكان مصادفة. من تلك الحوادث أن سموه كان مارا ذات مرة من أحد التقاطعات، فرأى إصابة حافلة مدرسية محملة بالأطفال جراء إنزلاقها على الطريق. كان بإمكان الرجل أن يأمر بتوجيه المساعدة إلى مكان الحادث، ويمضي في سبيله، إلا أنه أصر على التوقف والترجل من سيارته ومداعبة الأطفال والتخفيف من روعهم، ولم ينصرف إلا بعد التأكد من ذهاب آخر طفل إلى حضن والديه سليما. كما عرف عن عيسى بن سلمان كرهه للأضواء، وتفضيله عدم إشعار الآخرين بصفته حين التواجد وسط أناس يجهلون هويته كما في رحلاته الخارجية الخاصة.
بل على العكس من ذلك تماما، كان سموه رحمه الله رقيقا معهم، ناصحا لهم، حانيا عليهم على الدوام، الأمر الذي انعكس في خطاب المعارضين أنفسهم والذي يكاد أن يخلو من أي مسّ بشخص سموه. مع الراحل الشيخ زايد بن سلطان ولما كان قدر البحرين أن تنشأ كمجتمع متنوع يسكنه أصحاب مذاهب وأعراق وثقافات وأصول متباينة، علاوة على أصحاب الأيديولوجيات السياسية المتصادمة من أولئك الذين استفادوا من فرص التعليم المجاني المبكرة وفرص الابتعاث إلى الخارج ومناخات البلاد الثقافية المنفتحة للبروز على الساحات السياسية والثقافية والاجتماعية، فإن عيسى بن سلمان تمكن، بقدرة عجيبة، من الوقوف على مسافة واحدة من كل هذه الطوائف والتيارات والثقافات، واستطاع أن يتعامل معها على قدم المساواة وفق قاعدة «أن البلد للجميع، وأن أميره مسؤول عن الكل»، سادًا بذلك باب الشكوى من انحيازه إلى فئة على حساب الفئات الأخرى. مع الملك سلمان حينما كان أميرًا للرياض ولعل الجانب الأبرز في شخصية عيسى بن سلمان، والذي لمسه الكثيرون ووقفوا عنده طويلا في حالة اندهاش هو ذلك التواضع الجمّ في التعامل مع المترددين عليه من زوار وضيوف، حتى قيل إنه بطيبته ورهافة حسه وأحاديثه العفوية البعيدة عن التكلف، وطريقة استقباله وتوديعه لزواره يشعرك، كائنا من كنت، بأنك في مستواه ومقامه.
عيسى بن سلمان - YouTube
وتنتهز مؤسسة التراث الخيرية هذه الفرصة لتعرب لجلالتكم عن اعتزازها بأن تنال ثقتكم للقيام بمهمة إصدار هذا الكتاب، مما يعبر عن عمق العلاقات التاريخية الممتدة الجذور والمتميزة بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وهي علاقة أرسى أساسها الأجداد، وتوارثت الأجيال مسؤولية تعميقها وترسيخها بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين. وتقدر مؤسسة التراث الخيرية لجلالتكم رعايتكم إصدار هذا الكتاب، واهتمامكم الكريم بوضع مقدمته، كما تشكر للشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ورئيس مجلس أمناء مركز عيسى الثقافي - كتابة سيرة الراحل، طيب الله ثراه. ويسعد المؤسسة كثيراً استمرار التعاون مع الأشقاء في مملكة البحرين، في التوثيق لرموز البلدين، والإسهام في حفظ موروثها الحضاري، سواء من خلال التوثيق التاريخي، أم من خلال ترميم المعالم الأثرية، أم إعداد البحوث العلمية، وغير ذلك من الأنشطة والبرامج التي تعين على المحافظة على هذا التراث العتيق ضمن الأعمال التي تقوم بها مؤسسة التراث الخيرية، لإبراز عراقة البلدين، وعطائهما غير المحدود للحضارة الإنسانية عبر العصور وتقبلوا جلالتكم وافر التحية والتقدير».