إنه نداء إلى من عظمت مصيبته في موت حبيب من أحبابه؛ ليذكر مصيبته في المصطفى صلى الله عليه وسلم، يوعك عليه الصلاة والسلام كوعك رجلين، ومع ذلك ما يمنعه أن يمتثل أمر ربه في أن يودع أصحاب البقيع ويستغفر لهم، ولا يمنعه مرضه في أن يوصي أمته بوصايا مهمة في مرض موته، ثم بعد ذلك يختار الرفيق الأعلى، وقد قرت عينه بإبلاغه لأمته الوصايا المهمة في دين الله. النبي صلى الله عليه وسلم يودع أهل البقيع ويستغفر لهم تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بين الخلود في الدنيا ولقاء الله وجنته وصايا النبي لأمته في مرض موته إلى الرفيق الأعلى حال الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
ثانيا: أن بعثة الرسل والأنبياء القصد منها معرفة الناس بربهم، وتبليغ شعائره، فإذا ذهبوا لم يذهب الدين، لأن المقصود إنما الله وحده، وهو حي لا يموت، والرسل والأنبياء إنما هم وسائط. ثالثا: أن عند الرزية الشنيعة والمصيبة الجليلة النازلة بالأمة يظهر ثبات نفس الصديقين، ووفور عقلهم ومكانتهم من الإسلام. رابعا: أن الصدمة بفقد الأحباب تكون لها وقعا كبيرا على قلب المحبين، بحكم الاستئناس بالمحبوب سيما وإن كان أرحم من الأب والأم، فأي صدمة أبلغ من هذه الصدمة وأشدها أثراً. خامسا: أن موقف الحزم عند المصيبة الجليلة مطلوب، لئلا تشيع الفتن وتكثر القلائل في المجتمع، ولابد أن يتصدر لهذا الموقف رجل متعقل لا تغلبه العاطفة. سادسا: أن استحضار النصوص النقلية واجب عند الفاجعة الملمة، لأنها تخفف من وقع الرزايا والمصائب، وتذكر أن كل من عند الله تعالى، ولا مصاب إلا بقدره سبحانه وتعالى. سابعا: أن سكرات الموت مذيقها كل واحد، وإن كان من الصالحين والأتقياء، فحمى الموت لا تثبطه بل تثبته على كلمة التوحيد. هذه بعض الدروس والعبر من الرزية الشنيعة والمصيبة الجليلة النازلة بالأمة آنذاك، وهي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، استخلصتها من كتب الحديث والسيرة، ولعل أبرز ما يمكن قوله هو: إن الموت آخر مرحلة من مراحل الحياة، فهو مدركنا لا محالة، إما في أول العمر أو في وسطه أو في آخره، وهو عدل لا يميز ولا يفرق بين طبقات المجتمع، وهو يسلب أعز الناس من بيننا ولا نملك لهم حول ولا قوة، وهو سنة الله تعالى في خلقه، وهو قاهر الجبابرة وهالك الفراعنة ﴿كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون﴾[10].
فلما تلاها أبو بكر رجع الناس إلى رشدهم، وعرفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات حقا، وتلك سنة الله تعالى في خلقه: ﴿كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون﴾[2]، ﴿إنك ميت وإنهم ميتون﴾[3]، ﴿وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون، كل نفس ذائقة الموت﴾[4]، ﴿إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون﴾[5]، وكأن هذه الآيات وغيرها لم يتلونها قط من هول المصيبة.