جو بايدن: من رأى منكم منكراً فليغيره
حسنا، ليس لنا أن نفعل شيئا لإنكار المنكر باليد، فليس هذا دورنا ولا اختصاصنا ولا مناط تكليفنا، وليس لنا كذلك اليوم أن ننكر المنكر باللسان، فلسنا في موقع توجيه النصيحة المباشرة لصانع القرار، كما أن هذه الخطوة قد باتت مغبتها خطيرة مؤخرا، فحرية التعبير وإن كان لا يزال يقال إنها مكفولة، باتت ممارستها حماقة محفوفة بالمخاطر الجمة. لنتوقف عند حدود حالة "الإنكار بالقلب" فحسب، والذي هو أضعف الإيمان، كما جاء في الحديث الشريف، والتي يزعم القوم أنهم يمارسونها لأن ليس في وسعهم غيرها. 184 - شرح حديث من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده / الشيخ : عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر - YouTube. يقول المنطق السليم إن من مقتضيات هذه الحالة أن ينعكس باطن الإنكار والرفض على ظاهر من ينكر، هذا إن كان من الصادقين، فيتمعر وجهه ويعبس، قليلا على الأقل، في وجه الفساد والفاسدين. ويقول المنطق السليم كذلك إن من ضرورات هذه الحالة، حتى تكون صادقة، ألا يجامل أصحاب المنكر، فيصفق لهم ويفتح لهم المجالس ويستقبلهم بابتسامته العريضة، بل يهرع إليهم في المناسبات يتمسح بهم ويقبل أنوفهم، فلا يجدون من ناحيته إلا كل خير، ولا يلمسون عنده شيئا من الإنكار أو الرفض أو حتى الاستياء. المنطق السليم يقول إن هذه الحالة في الحقيقة ليست إلا ضرباً من إقرار المنكر، بل المشبع بالنفاق والمداهنة.
إن هذا الواجب هو مسؤولية الجميع ، وكل فرد من هذه الأمة مطالب بأداء هذه المسؤولية على حسب طاقته ، والخير في هذه الأمة كثير ، بيد أننا بحاجة إلى المزيد من الجهود المباركة التي تحفظ للأمة بقاءها ، وتحول دون تصدع بنيانها ، وتزعزع أركانها.
فإذا عجز عن التغيير باليد ، فإنه ينتقل إلى الإنكار باللسان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم يستطع فبلسانه) ، فيذكّر العاصي بالله ، ويخوّفه من عقابه ، على الوجه الذي يراه مناسبا لطبيعة هذه المعصية وطبيعة صاحبها. فقد يكون التلميح كافيا - أحيانا - في هذا الباب ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ؟) ، وقد يقتضي المقام التصريح والتعنيف ، ولهذا جاءت في السنة أحداث ومواقف كان الإنكار فيها علناً ، كإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - شفاعته في حد من حدود الله ، وإنكاره على من لبس خاتم الذهب من الرجال ، وغير ذلك مما تقتضي المصلحة إظهاره أمام الملأ. وإن عجز القائم بالإنكار عن إبداء نكيره فعلا وقولا ، فلا أقل من إنكار المنكر بالقلب ، وهذه هي المرتبة الثالثة ، وهي واجبة على كل أحد ، ولا يُعذر شخص بتركها ؛ لأنها مسألة قلبيّة لا يُتصوّر الإكراه على تركها ، أو العجز عن فعلها ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد: جهادٌ بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر انتكس ".