[9] إلى هنا، نكون قد وصلنا إلى ختام موضوعنا، الذي وضّحنا فيه الإجابة المناسبة للسؤال، من النبي الذي طلب منه قومه أن ينزل لهم مائدة من السماء ؟، كما تحدّثنا عن سبب تسمية سورة المائدة بهذا الاسم، وقصة الحواريين مع سيدنا عيسى عليه السلام، والسبب الذي دفع الحواريين لطلب المائدة، وتعرّفنا على الحواريون، وصفات هذه المائدة التي طلبوها من سيدنا عيسى عليه السلام، بالإضافة إلى معرفة سبب عذاب رب العالمين للمنافقين في هذه السورة.
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قوله تعالى: قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قوله تعالى: قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا الأصل عند سيبويه يا الله ، والميمان بدل من " يا ". ربنا نداء ثان لا يجيز سيبويه غيره ولا يجوز أن يكون نعتا; لأنه قد أشبه الأصوات من أجل ما لحقه.
ربنا نداء ثان لا يجيز سيبويه غيره ولا يجوز أن يكون نعتا; لأنه قد أشبه الأصوات من أجل ما لحقه.
خلاصة القول: لن تستطيع أن تتقي الله ما لم تعلم، لن تستطيع يا ابن آدم أن تتقي الله ما لم تعلم أوامره وكيف تؤديها، ونواهيه وكيف تتجنبها، فطلب العلم فريضة، لا بد من هذا، وهل يستطيع عبد أن يكون ولياً لله وهو لا يعرف تقوى الله؟ مستحيل أن تكون ولي الله وأنت لا تتقيه. قال: [ في قول عيسى لهم: اتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:112] دال على أنهم قالوا الباطل، كما أن قولهم: وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا [المائدة:113] دال على شكهم وارتيابهم. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة المائدة - قوله تعالى قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا - الجزء رقم7. ثالثاً: مشروعية الأعياد الدينية لعبادة الله بالصلاة والذكر؛ شكراً لله تعالى، وفي الإسلام عيدان: الأضحى والفطر]، لا غير، لا رجبية ولا مولد. [ رابعاً: من أشد الناس عذاباً يوم القيامة: آل فرعون، والمنافقون، ومن كفر من أهل المائدة]، قال تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، وقال: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]، وقال: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:115]. وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وقوله: اللَّهُمَّ أى: يا الله. فالميم المشددة عوض عن حرف النداء، ولذلك لا يجتمعان. وهذا التعويض خاص بنداء الله ذي الجلال والإكرام. وقوله: عِيداً أى سرورا وفرحا لنا، لأن كلمة العيد تستعمل بمعنى الفرح والسرور. قال القرطبي: والعيد واحد الأعياد. وأصله من عاد يعود أى: رجع وقيل ليوم الفطر والأضحى عيد، لأنهما يعودان كل سنة. وقال الخليل: العيد كل يوم يجمع الناس فيه كأنهم عادوا إليه، وقال ابن الأنباري: سمى عيدا للعود إلى المرح والفرح فهو يوم سرور». والمعنى: قال عيسى بضراعة وخشوع- بعد أن سمع من الحواريين حجتهم- اللَّهُمَّ رَبَّنا أى: يا الله يا ربنا ومالك أمرنا، ومجيب سؤالنا. أتوسل إليك أن تنزل علينا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ. أى: أطعمة كائنة من السماء، هذه الأطعمة تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا أى:يكون يوم نزولها عيدا نعظمه ونكثر من التقرب إليك فيه نحن الذين شاهدناها، ويكون- أيضا- يوم نزولها عيدا وسرورا وبهجة لمن سيأتى بعدنا ممن لم يشاهدنا. قال ابن كثير. قال السدى: أى نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا. وقال سفيان الثوري: يعنى يوما نصلى فيه. وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم.
ينظر: "تفسير البغوي" (3/118) ، "زاد المسير" (2/462) ، "معاني القرآن" (2/387) ، "التسهيل" (1/342) ، تفسير القرطبي" (6/369)"التحرير والتنوير" (ص1236) ، "فتح القدير" (2/136) "الجواب الصحيح" (3/ 127). قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ففي هذا بيان شيء من قدرة الله جل وعلا, وأنه سبحانه القادر على كل شيء قدير, وأنه سبحانه في العلو, لأن الإنزال يكون من الأعلى إلى الأسفل. فإنزال المائدة وطلب إنزالها, كل ذلك دليل على أن القوم قد عرفوا أن ربهم في العلو, فهم أعرف بالله وأعلم به من الجهمية وأضرابهم ممن أنكر العلو. فالحواريون طلبوا ذلك ، وعيسى بين لهم ذلك ، والله بين ذلك أيضا, ولهذا قال: ( إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) فدل ذلك على أن ربنا جل وعلا يطلب من أعلى, وأنه في العلو سبحانه وتعالى فوق السماوات وفوق جميع الخلائق وفوق العرش, قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته, لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (2/56-57) والله تعالى أعلم.