فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم فاجتباه ربه فجعله من الصالحين. تفريع على ما تقدم من إبطال مزاعم المشركين ومطاعنهم في القرآن والرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وما تبعه من تكفل الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بعاقبة النصر ، وذلك أن شدته على نفس النبيء - صلى الله عليه وسلم - من شأنها أن تدخل عليه يأسا من حصول رغبته ونجاح سعيه ، ففرع عليه تثبيته وحثه على المصابرة واستمراره على الهدي. وتعريفه بأن ذلك التثبيت يرفع درجته في مقام الرسالة ليكون من أولي العزم ، فذكره بمثل يونس - عليه السلام - إذ استعجل عن أمر ربه ، فأدبه الله ثم اجتباه وتاب عليه وجعله من الصالحين تذكيرا مرادا به التحذير. والمراد بحكم الرب هنا أمره وهو ما حمله إياه من الإرسال والاضطلاع بأعباء الدعوة. وهذا الحكم هو المستقرأ من آيات الأمر بالدعوة التي أولها يا أيها المدثر قم فأنذر إلى قوله ولربك فاصبر فهذا هو الصبر المأمور به في هذه الآية أيضا. فصل: سورة ن:|نداء الإيمان. ولا جرم أن الصبر لذلك يستدعي انتظار الوعد بالنصر وعدم الضجر من تأخره إلى أمده المقدر في علم الله. وصاحب الحوت: هو يونس بن متى ، وقد تقدم ذكره عند قوله تعالى ووهبنا له إسحاق إلى قوله ( ويونس) في سورة الأنعام.
الباقون بضمها من أزلقت، وهما لغتان: زلقت، وأزلفت. قال الفراء: يقولون: زلقت شعره وأزلقته إذا حلقته. والمعنى ليرمون بك ويلقونك. يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله على وجه التوبيخ للكفار (أم تسألهم) اي هل تسألهم (أجرا) يعني ثوابا وجزاء على دعائك إياهم إلى الله وتخويفك إياهم من المعاصي وأمرك إياهم بطاعة الله (فهم من مغرم) أي هم من لزوم ذلك (مثقلون) أي محملون، فالاجر القسط من الخير الذي يستحق بالعمل. والمغرم ما يلزم من الدين الذي يلج في اقتضائه. وأصله اللزوم بالالحاح، ومنه قوله (إن عذابها كان غراما) ( 1) أي لازما ملحا قال الشاعر: يوم الجفار ويوم النسار * كانا عذابا وكانا غراما ( 2) وقولهم دفع مغرم أي دفع الاقتضاء بالالحاح. تفسير قوله تعالى: فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت. والغرم ما يلزم بالاقتضاء على وجه الالحاح فقط. والمثقل المحمل للثقل وهو ما فيه مشقة على النفس كالمشقة بالحمل الثقيل على الظهر، يقال: هو مثقل بالدين، ومثقل بالعيال ومثقل بما عليه من الحقوق اللازمة والأمور الواجبة.
(خاشِعَةً) حال (أَبْصارُهُمْ) فاعل خاشعة (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) مضارع ومفعوله وفاعل مؤخر والجملة حال ثانية (وَ) الواو للحال (قَدْ) حرف تحقيق (كانُوا) كان واسمها (يُدْعَوْنَ) مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل (إِلَى السُّجُودِ) متعلقان بالفعل والجملة خبر كانوا وجملة قد كانوا.. حالية (وَهُمْ سالِمُونَ) مبتدأ وخبره والجملة حال.. { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} | بصائر. إعراب الآية (44): {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44)}. (فَذَرْنِي) الفاء الفصيحة وأمر ومفعوله والفاعل مستتر ومعنى ذرني دعني والجملة جواب شرط مقدر لا محل لها (وَمَنْ) الواو حرف عطف (مَنْ) اسم موصول معطوف على ياء المتكلم (يُكَذِّبُ) مضارع فاعله مستتر والجملة صلة (بِهذَا) متعلقان بالفعل (الْحَدِيثِ) بدل من اسم الإشارة (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) السين للاستقبال ومضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة استئنافية لا محل لها (مِنْ حَيْثُ) متعلقان بالفعل (لا يَعْلَمُونَ) لا نافية ومضارع مرفوع والواو فاعله والجملة في محل جر بالإضافة.. إعراب الآية (45): {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)}. (وَأُمْلِي) مضارع فاعله مستتر ومعناه أمهلهم (لَهُمْ) متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على سنستدرجهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) إن واسمها وخبرها والجملة تعليلية لا محل لها.. إعراب الآية (46): {أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)}.
* -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى, قَالَ: ثنا ابْن ثَوْر, عَنْ مَعْمَر, عَنْ قَتَادَة, مِثْله. وَقَوْله: { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت} الَّذِي حَبَسَهُ فِي بَطْنه, وَهُوَ يُونُس بْن مَتَّى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعَاقِبك رَبّك عَلَى تَرْكك تَبْلِيغ ذَلِكَ, كَمَا عَاقَبَهُ فَحَبَسَهُ فِي بَطْنه. ' يَقُول: إِذْ نَادَى وَهُوَ مَغْمُوم, قَدْ أَثْقَله الْغَمّ وَكَظَمَهُ, كَمَا: 26898 -حَدَّثَنِي عَلِيّ, قَالَ: ثنا أَبُو صَالِح, قَالَ: ثني مُعَاوِيَة, عَنْ عَلِيّ, عَنْ ابْن عَبَّاس, قَوْله: { إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم} يَقُول: مَغْمُوم. 26899 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو, قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِم, قَالَ: ثنا عِيسَى; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث, قَالَ: ثنا الْحَسَن, قَالَ: ثنا وَرْقَاء, جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح, عَنْ مُجَاهِد, فِي قَوْله: { مَكْظُوم} قَالَ: مَغْمُوم. يَقُول: إِذْ نَادَى وَهُوَ مَغْمُوم, قَدْ أَثْقَله الْغَمّ وَكَظَمَهُ, كَمَا: 26898 -حَدَّثَنِي عَلِيّ, قَالَ: ثنا أَبُو صَالِح, قَالَ: ثني مُعَاوِيَة, عَنْ عَلِيّ, عَنْ ابْن عَبَّاس, قَوْله: { إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم} يَقُول: مَغْمُوم. '
68-سورة القلم 48 ﴿48﴾ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ فاصبر -أيها الرسول- لما حكم به ربك وقضاه، ومن ذلك إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم، ولا تكن كصاحب الحوت، وهو يونس -عليه السلام- في غضبه وعدم صبره على قومه، حين نادى ربه، وهو مملوء غمًّا طالبًا تعجيل العذاب لهم، لولا أن تداركه نعمة مِن ربه بتوفيقه للتوبة وقَبولها لَطُرِح مِن بطن الحوت بالأرض الفضاء المهلكة، وهو آتٍ بما يلام عليه، فاصطفاه ربه لرسالته، فجعله من الصالحين الذين صلحت نياتهم وأعمالهم وأقوالهم. تفسير ابن كثير يقول تعالى: ( فاصبر) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم; فإن الله سيحكم لك عليهم ، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ، ( ولا تكن كصاحب الحوت) يعني: ذا النون ، وهو يونس بن متى عليه السلام حين ذهب مغاضبا على قومه ، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له ، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم ، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير ، الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير ، فحينئذ نادى في الظلمات. ( أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) [ الأنبياء: 87].
فقال له قائل: يا سيدي، هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب، فلم هدم الأبنية وسيّر الجبال، ودكّ الأرض، وفطّر السماء، ونثر النجوم، وكوّرت الشمس؟ فقال: إنما بني لهم الدار للسكنى والتمتع، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه: لحسن التأمل والتذكر. فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خرّبها، لانتقال الساكن منها. فأراد أن يعلمهم بأن الكون كان معموا بهم. وفي إحالة الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، وبيان المقدرة بعد بيان العزة، وتكذيب لأهل الإلحاد، وزنادقة المنجمين، وعبّاد الكواكب والشمس والقمر والأوثان، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين. فإذا رأوا آلهتهم قد انهدمت، وأن معبوداتهم قد انتثرت وانفطرت، ومحالّها قد تشققت ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم، وظهر أن العالم مربوب محدث، مدبّر، له رب يصرفه كيف يشاء، تكذيبا لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم. فكم للّه من حكمة في هدم هذه الدار، ودلالة على عظيم عزته وقدرته، وسلطانه، وانفراده بالربوبية، وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره، وإذعانها لمشيئته. فتبارك اللّه رب العالمين.