زرت حدائق المانجو التى كان جدى زرعها بنية أن يأكل أحفاده وحفيداته و زرت قطعة الأرض التى اشتراها أبى بنية أن يعمر عليها الروضة لكى يجول فيها أسباط بلطف و متعة. زرت فيها هاربة من ضجيج البلد التلوث البيئي ولكنى افتقدت أبى هناك ورجعت إلى حياتى المدنية. Post Views: 209
أصحو على شمس "الكرامة"؛ قريتي التي تتغنّون بها الآن.. تقريباً كلّ يوم أرى مئذنة "مسجد الشهداء" التي ما زالت شاهدةً على عدوان "إسرائيل اللقيطة" وكيف تناثر الرصاص عليها طولاً بعرض.. كل يوم تراب خدودها في كل شارع.. هنا كان الناس الذين رحل أغلبهم مدجّجين بالذكريات والمقاومة والسلاح والأماني الصغيرة والأحلام التي أورثوها لمن بعدهم.. هنا كانت المعركة.. هنا كان الانتصار. يا وجع "الكرامة" الطافح؛ بل يا وجع الكرامتين.. يا وجع المنسيّين وهم في أتمّ كرامتهم..! يا ذاك العسكريّ الذي نزف فوقها عرقاً ودماً.. أنا افتقد قريتى – Naqeebul Hind نقيب الهند. يا ذاك الفلسطيني الذي كان يتكحّل في فلسطين كلّ لحظم ويغمض عينيه ويرى نفسه قد عاد إلى بيته هناك..! يا كلّ " قايش" و "بسطار" كان شاهداً على نكوص الأعداء.. يا الشهداء الذين ما زالت ترفرف أرواحهم هنا ويشبّون من جديد كلما صار هناك نقص في المقاومة أو حاول النسيان أن يطوي الحكاية التي لا تُطوى..! اليوم أنظر لوجوه الناس في قريتي"الكرامة"؛ متعبون؛ يبحثون عن بقايا حياة.. انظر للشوارع؛ للأزقة؛ لماتور الجمعيّة؛ للبيوت التي أكلها "مَلَح" السنين.. أنظر للوارثين أرض الانتصار وكيف "يروجون ولا يقعون" لكن الهزائم تمور بهم وهم يتمسّكون بكلّ حبال كي لا يجبرهم النسيان على الانبطاح..!
كيف تبدو الطبيعة في القرية؟ تغلُب على القرية مَظاهر الطّبيعة الفاتنة؛ فالبُحيرة التي تبعد بضع دقائق عن وسط القرية تتجمّع حولها العائلات مساءً، صحيح أنَّها بحيرة صغيرة لكنَّها تبقى بُحيرة على أيّ حال، الورود لا تفرق في هذه القرية ما بين الصيف والشتاء، فأنا أراها في الفصلين معًا إذ لا تسقط وردة حتى تنبُت أختها وهكذا طيلة العام، عندما يقف النَّاظر على شرفة القرية يرى الوادي تحت قدميه تمامًا فتضارب الحياة أمامه ويختلط في عينيه سواد العمق ببياض الغيوم، لم يجرؤ أحد حتّى الآن أن ينزل ليرى ما في أسفل الوادي فهو مجهول للجميع. عادة ما تُرى مَحاصيل الخضراوات في الصيف فتتربّع حقول البندورة على المشهد والفليفلة والبطاطا والدرة وغيرها من الخضروات التي يكتفون بها ذاتيًا، وما أجمل الغيوم حين تتشابك مع بعضها لِتصنع لوحة فنيّة يَراها النّاظر فيُفتَتن فيها، لم يكُن لأهل القرية نصيب من رؤية اللوحات الفنيّة العالميّة مثل لوحة الموناليزا أو الجوكاندا، لكنَّهم كانوا يستطيعون تعويض ذلك عن طريق اللّوحات الحيَّة التي يُعاينونها في كلّ آن. لا شيء يعلو صباح الديك الذي ينطلق كلّ فجر مُعلِنًا ميلاد يوم جديد، والطبيعة الخلّابة تتشابك مع ذلك الصوت لِرسْم ما لم تسمعه الآذان إلّا في الروايات العالمية التي يختطّها دوستويفسكي باسطًا التفاصيل أمام قرّائه مُغرقهم فيها، الأزهار في هذه القرية لا تُشبه الأزهار الأخرى فهي تعقد في كلّ يومٍ جلسة تتحدث فيها عن الأمور التي رأتها وتُعايشها كلّ يوم مع أهل القرية، ودائمًا ما تكون أزهار النرجس على رأس ذلك الاجتماع فهي مُوزّعة في أرجاء القرية بأكملها وتُشاهد كلّ شيء عيانًا.
الناس في قريتي النائية في جنوب الوطن، قرية العسلة في منطقة الباحة، اتخذت من زيارته لهم وزملائه، وفد الإذاعة السعودية قبل نصف قرن من الزمن، أي في بداية الثمانينيات الهجرية تاريخاً، إذ هم يتذكرون ذلك المهرجان الكبير، والحفل الذي تم في بيت شيخ القبيلة حينها الشيخ حامد الكلي - رحمه الله -، وحضر عرضتها أفواج من البشر، لم يكن للقرية حينها دراية بكل تلك الترتيبات، ولكنهم يأكلون ويعرضون ويفرحون، ويرون وجوهاً غريبة تدخل قريتهم، وستخرج أصواتهم وقصائدهم في النهاية عبر الراديو هذا الجهاز السحري، وهو يقدمهم للمستمعين من الأرض الطيبة.
ومع دخول الكهرباء للقرية، وحصول شيء من الصحوة الدينية، ووجود أجيال أصغر من جيلي، كانت تنظر إلى مثلي آنذاك على أنه شيخ أو أستاذ لهم… استمرت هذه الأجيال ومعهم الفضلاء من الكبار في الاهتمام بالمسجد، فتم تجديده ودهانه مرة أخرى… كما تم بناء مسجد آخر بالقرية… ثم من حوالي عامين أو ثلاثة تم هدم هذا المسجد وبناؤه بصورة أفضل وأحسن… وأهل قريتي بارك الله فيهم جميعا من أحسن الناس اليوم مواظبةً على الصلوات… لا سيما في المساجد… نسأل الله أن يتقبل وأن يبارك.