القول في تأويل قوله: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٩٧) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"ولا يغرنك" يا محمد="تقلب الذين كفروا في البلاد"، يعني: تصرفهم في الأرض وضربهم فيها، [[انظر تفسير"التقلب" فيما سلف ٣: ١٧٢. ]] كما:- ٨٣٧١ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد"، يقول: ضربهم في البلاد. * * * = فنهى الله تعالى ذكره نبيّه ﷺ عن الاغترار بضربهم في البلاد، وإمهال الله إياهم، مع شركهم، وجحودهم نعمه، وعبادتهم غيره. وخرج الخطاب بذلك للنبي ﷺ، والمعنيُّ به غيره من أتباعه وأصحابه، كما قد بينا فيما مضى قبل من أمر الله= ولكن كان بأمر الله صادعًا، وإلى الحق داعيًا. لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. [[أخشى أن يكون سقط من هذه العبارة شيء، وإن كان الكلام مفهوم المعنى، وكأن أصل العبارة"كما قد بينا فيما مضى قبل - ولم يكل رسول الله ﷺ إلى أهل الشرك والكفر شيئًا من أمر الله، ولكن كان بأمر الله صادعًا، وإلى الحق داعيًا". ]] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة. ٨٣٧٢ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"لا يغرَّنك تقلب الذين كفروا في البلاد"، والله ما غرُّوا نبيَّ الله، ولا وكل إليهم شيئًا من أمر الله، حتى قبضه الله على ذلك.
وقد تعامل الإسلام ـ في ما يريده من تقوية حركة المقاومة ضدَّ هؤلاء ـ مع العنصر الأول في ما جاءت به الآية الكريمة: [ وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ] (الأنفال:60)، ومع العنصر الثاني في ما جاءت به هذه الآية وأمثالها للدخول في عملية موازنة ومقارنة بين القوّة التي تفنى وتزول، وبين القوّة التي تملك أمر الحياة والموت، فلا يستسلم الإنسان للقوّة الزائلة، بل يخضع للقوّة الخالدة التي تملك كلّ القوى المادية والمعنوية، وبذلك يتحرّك في عملية تطوير القوّة المضادّة والانطلاق بالصراع إلى نهايته حتّى النصر، ولو بعد حين. إنَّ الفكرة الحاسمة هي أنَّ كلّ القوى لن تدوم، لأنَّها مجرّد متاع قد يفنى في الدُّنيا، وقد تفنيه الدُّنيا. وفي هذا الجوّ، ينطلق التفاؤل بالمستقبل الكبير من أجل صنع القوى الوليدة الجديدة التي تمسك بزمام الأمر كلّه على اسم اللّه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة غافر - الآية 4. صورة المؤمنين في القرآن: تلك هي صورة الكافرين؛ متاع قليل لا يلبث أن يتحوّل إلى عالـم الموت، وكيان يحترق حتّى يستحيل إلى رماد.
ثالثًا: أن إمهال الله لهؤلاء الكفار وتتابُع النعم والخيرات لهم، إنما هو زيادة لهم في عذاب الآخرة، قال - تعالى -: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178]، وقال - تعالى -: ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾[التوبة: 55]. رابعًا: أنَّ ما يعطيه الله للكفَّار مِن نعَم الدنيا، إنما ذلك لهوان الدُّنيا عنده وحقارتها، وابتلاء لهم وفتنة، كما قال - تعالى -: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20]. روى مسلم في صحيحه من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لَم تكن له حسنةٌ يجزى بها)) [4].
_______________ [1] "تفسير ابن سعدي" ص 144. [2] ص 1129، برقم 2807. برقم 17311، وقال محققوه: حديث حسن (28/547) [3] [4] ص 1129، برقم 2808. [5] جزء من حديث ص 968، برقم 4913، و"صحيح مسلم" ص 595، برقم 1479. [6] ص 383، برقم 2320، وصححه الألباني - رحمه الله - في "صحيح سنن الترمذي" (2/269)، برقم 1889. [7] ص 1187، برقم 2956. [8] ص 1146، برقم 2858. [9] المدية: السكين. [10] زغبة طائر: الزغب صغار الريش، الواحدة زغبة، "المعجم الوسيط" ص 394
ابو الهيثم إقرأ أيضا: ما هو الاسم العلمي للخنزير ؟ سيعجبك أن تشاهد ايضا