﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ إذَنْ ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ جملةٌ مستأنفةٌ لا صِلَةَ لها بما قبلها، وهي جملةٌ قَسَميَّة فيها قَسَمٌ مقدَّر، والتقدير: واللهِ لَتَرَوُنَّ الجحيمَ. ولِهذا يقول المعربون في إعرابها: إنَّ اللام موطِّئةٌ للقَسَم، وجملة (تَرَوُنَّ) هي جواب القَسَم، والقَسَم محذوفٌ والتقدير: واللهِ لَتَرَوُنَّ الجحيمَ. و﴿الْجَحِيمَ﴾ اسمٌ من أسماء النار.
أما الجحيم: فهو النار الشديدة الحر والتأجج. وهو أيضاً أشد موضع من النار اشتعالاً، وأعظم مكان توقّداً. كلا لو تعلمون علم اليقين!! - منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي. فإذا أنت أوقدت ناراً فجحيمها هو وسطها ومركز توقدها. وقد أراد تعالى بهاتين الآيتين الكريمتين اللّتين نحن بصددهما أن يعرِّفنا أن الذين فُتنت أنفسهم بمحبة الدنيا، وألهاهم التكاثر فيها، هم في الحقيقة في دنياهم في نار وجحيم، لكنهم بسبب عمى بصائرهم وموت قلوبهم لا يرون ذلك الحال المنحط الذي انغمست أنفسهم فيه، ولا يشعرون بذلك الجحيم.
وقد مثَّل ابن القيِّم لهذهِ المراتبِ الثلاثِ بقولهِ: "مَن أَخبركَ أنَّ عندَهُ عسلًا وأنتَ لا تَشكُّ في صِدْقهِ، ثُمَّ أَراكَ إيَّاهُ فازددتَ يقينًا، ثم ذُقتَ مِنْهُ، فالأَوَّل: علمُ اليقينِ، والثَّاني: عينُ اليقينِ، والثَّالثُ: حَقُّ اليقينِ". ومِن ثمرات اليقين أنه يتضمن سكون الفهم مع ثبات الحكْم؛ بحيث لا يحصل لصاحبه تردُّدٌ ولا ريبة ولا قلقٌ في داخله؛ وإنما يكون ثابتًا على مبدئه وعلى عقيدته ودينه، فلا يتزحزح، ولا يغيِّر، ولا يبدِّل، ولا يَحيد، ولا يتلوَّن. ويمكن أن نوجز الفائدة من هذا الموضوع في نقاط محددة؛ وهي: 1 - أن العلم درجات؛ أعلاها (العلم الإلهي)، فالله تعالى يعلم ما نُسِرُّ وما نُعلن، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور. 2 - أن العلم رفعة لكل مُتعلم ولكل عالم، فبالعلم يصل الإنسان إلى (العزة، والحكمة، والقدرة، والحلم، والشكر.... إلخ). 3 - العلم يحقِّق لصاحبه النصر والتمكين والرفعة والسيادة وكل ما يصبو إليه. كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ-آيات قرآنية. 4 - الجهل يجعل الإنسان في كل وادٍ مُتخبطًا، وبين الناس ذليلًا مَهينًا، فلا عزة ترفعُه، ولا حكمة تمنعُه، ولا قدره تُحصِّنه. 5 - علم الله سبحانه وتعالى أجلُّ وأعظم من أن يُقارن بعلم أحد من خلقه، فعلم الله تعالى لا تحده حدود، ولا تُدركه الأفهام، ولا يصل إليه بشر.
أخيرا روي عن أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) في كيفية الوصول إلى اليقين، فقد قال(عليه السلام): (أين الموقنون؟ الذين خلعوا سرابيل الهوى، وقطعوا عنهم علائق الدنيا). « ******************************************* ******************** كتاب تفسيرمن هدي القرآن تفسير الأمثل نفحات الولاية في شرح نهج البلاغة جزء 3