وقال ابن تيمية: وجدتُ القناعةَ ثوبَ الغنى *** فصرتُ بأذيالها أمتسكْ فألبسني جاهُها حلةً *** يمرُّ الزمانُ ولم تُنتهَكْ فصرتُ غنيًّا بلا درهمٍ *** أمرُّ عزيزًا كأنِّي مَلِكْ (غذاء الألباب؛ للسفاريني: [2/538]). وما أحسن قول الشافعي: خَبَرتُ بَني الدنيا فلم أرَ منهم *** سِوى خادعٍ والخبثُ حشوُ إهابِه فجرَّدتُ عن غِمدِ القناعةِ صارمًا[2] *** قطعتُ رجائي منهمُ بذُبابِه فلا ذا يراني واقفًا بطريقِه *** ولا ذا يراني قاعدًا عندَ بابِه غنيٌّ بلا مالٍ عن الناسِ كلِّهم *** وليس الغِنى إلا عن الشيءِ لا به (غذاء الألباب؛ للسفاريني: [2/543]). وقال آخر: إذا أظمأتك أكفُّ اللئامِ *** كفَتْك القناعةُ شِبَعًا ورِيَّا فكن رجلًا رِجله في الثَّرَى *** وهامةُ همَّتِه في الثُّريَّا أبيًّا لنائلِ ذي ثروةٍ *** تَراه بما في يديه أبيا فإنَّ إراقةَ ماءِ الحياةِ *** دونَ إراقةِ ماءِ المحيَّا[3] (الكشكول؛ للعاملي: [2/268]). ــــــــــــــــــــــــــ الهوامش والمراجع: [1]- (موقر: من الوقر الحمل الثقيل. لسان العرب؛ لابن منظور: [5/289]). [2]- (الصارم: السيف القاطع. لسان العرب؛ لابن منظور: [12/335]). موضوع عن القناعة - سطور. [3]- (المحيا: الوجه.
أما الرسول بولس فقال: "الطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كولوسي 5:3). ليس الطمع خطية يقع فيها الفقراء فحسب بل لعلها تجربة أكبر للأغنياء. فقد اشتهى الملك أخآب كرم جاره، ولم يعد يعرف النوم ولا الأكل إلا ليحصل على ذلك الكرم (1ملوك 4:21). ومع أنه حصل على شهوته بالكذب والظلم والقتل حسب تخطيط زوجته إيزابل، إلا أنهما حصدا نتيجة عصيانهما وماتا على أرض الكرم نفسه. وللقناعة بركتها. القناعة في الحياة الفطرية. فالقانع في الحياة هو إنسان سعيد، لأن سعادته لا تعتمد على الأشياء بل لسان حاله ما صلاّه المرنّم: "جَعَلْتَ في قلبي سروراً أعظمَ من سرورهم إذ كَثرَت حنطتُهم وخمرُهم" (مزمور 7:4). هل يمكن أن تتخيَّل كيف ستكون الدنيا لو كان التاجر، والطبيب، والموظف، والحاكم، والقائد الدينيّ جميعاً متحلين بالقناعة؟ ستقودنا القناعة إلى فضائل كثيرة كالعطاء والأمانة وأعمال الخير، فلنتحلّ بها وهكذا نجني نحن والآخرون من بركاتها. المجموعة: 200705
يظهر من الأسئلة المثارة أن السائل الكريم يرى تضاداً و تهافتاً بين الأحكام الشرعية و الإرشادات الدينية، و خاصّة في مجال معالجة الجانب الاقتصادي في حياة الإنسان؛ من هنا نحاول – باختصار- الإشارة إلى بعض المسائل لبيان موقف الدين الإسلامي من الفقر و الغنى و القناعة، ضمن النقاط التالية: ۱٫ لا ريب أنّ الدين الإسلامي جاء ببرنامج متكامل للانسان و الحياة، و لم يترك شاردة و لا واردة إلا و وضع المعالجات اللازمة لها، و من الواضح أيضاً أن الله تعالى خلق الإنسان و زوّده بمجموعة من القوى كالعقل و الغضب و الشهوة و الحرص و…. لما لتلك القوى من دور في حركة الإنسان التكاملية مع دعمها ببرنامج متكامل من القوانين و التشريعات و الإرشادات ليتمكن الإنسان من إعمال العقل و العقلانية في ترجيح العوامل الموجبة و الأسباب المقوّمة لحياته على جميع الصعد و تأمين حياة سعيدة بعيدة عن التعقيدات و المشاكل. ۲٫ النقطة الثانية التي يجب الاذعان لها هي أنّ القوى الشهوانية تُعدّ من الحوافز الأساسية نحو العمل و الكسب لتوفير فرص الحياة الكريمة على المستويين المادي و المعنوي؛ و من هنا لابد من السعي و المثابرة دائماً، و لا مجال بحال من الأحوال للاسترخاء و التكاسل.
وقد لخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سر السعادة في الدنيا في كلمات بسيطة ولكنها كبيرة المعنى فقال: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا". وقال كذلك: " ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس". القناعة في الحياة الواقعية. لذلك كان دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بيته ألا يشغلهم الله بملذات الدنيا ويقعنهم بالقليل فقال: "اللهم اجعلْ رزقَ آل محمد قوتًا"، وفي رواية "كفافًا". وحثنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بأن نقنع بما رزقنا الله وألا ننظر إلى من هو أغنى وأعلى منا، بل ننظر دائمًا لمن هو أقل منا حتى نحمد الله على نعمه فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا نظر أحدُكم إلى مَنْ فُضِّلَ عليه في المال والخَلْقِ فلْينْظُرْ إلى مَنْ هـو أسفل منه, فذلك أجدرُ أن لاتزدروا نعمةَ الله عليكم". محتوي مدفوع
عارف الدوسري هل ساعدك هذا المقال ؟