تاريخ النشر: ١٤ / ربيع الأوّل / ١٤٢٨ مرات الإستماع: 11363 ليس الواصل بالمكافِئ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: ففي باب بر الوالدين والصلة أورد المصنف -رحمه الله-: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي ﷺ قال: ليس الواصل بالمكافِئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها [1]. رواه البخاري.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ) أي ليس الواصل حقيقة هو من إذا وصله أقاربه وصلهم مكافأة لهم، وإنما من يَصدق عليه مسمى الواصل هو الذي إذا قطعت رحمُهُ وصلها، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال:( لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المَلّ - أي تطعمهم الرماد الحار الذي يُحمى ليُدفن فيه الطعام فينضج، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحقهم من الأذى بأكل الرماد الحارّ -،ولا يزال معك من الله ظهير - أي ناصر ومُعين - عليهم ما دمت على ذلك) رواه مسلم. قال الإمام ابن بطّال في شرحه للحديث: "( لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ) يعنى: ليس الواصل رحمه من وصلهم مكافأة لهم على صلة تقدمت منهم إليه فكافأهم عليها بصلة مثلها"، ولذلك فإن الناس ينقسمون إلى أقسام ثلاثة: واصلٌ، ومكافئٌ، وقاطعٌ، فالواصل: من يبدأ بالفضل، والمكافئ: من يرد مثله، والقاطع: من لا يتفضل ولا يكافئ، فالكامل من يصل من قطعه. وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): "لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع، فهم ثلاث درجات: مُواصل ومُكافىء وقاطع، فالواصل من يتفضل ولا يُتفضل عليه، والمُكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ، والقاطع الذي يُتفضل عليه ولا يتفضل، وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين، فمن بدأ حينئذ فهو الواصل، فإن جوزي سُمِّي من جازاه مكافئا".
الدرجة الثانية: أن يكون الإنسان مبادلًا للآخرين الإحسان، فالذين يحسنون إليه يرد إليهم الإحسان، هذه على الأقل الدرجة الثانية، هذا أقل ما يكون، وكثير من الناس لا يفعل هذا، فحينما يحسن هؤلاء القرابات إليه ويتصلون عليه، أو يرسلون له رسائل فيها مشاعر جيدة، هم كأنهم يقومون بواجبهم نحوه ولا يجب عليه تجاههم شيء إطلاقاً، بل لربما رد عليك برسالة يقول لك: الرسالة لا تكفي، بمعنى: أن رسالتك لي في هذه المشاعر الجيدة لا تكفي، لابد من الاتصال، أنت لا ترسل له رسالة ولا تتصل ولا تزور، ولا يخطر لربما ذلك لك على بال، فتأتي وتقول مثل هذا الكلام! ، هذا موجود. فمن الناس من يشعر أن الآخرين يؤدون حقوقاً له واجبة، دون أن يجب عليه شيء، ولهذا يعاتبهم ويلومهم إذا قصروا، ولو نظر إلى حاله هل يزورهم؟ ما يزورهم، هل يحسن إليهم؟ الجواب: لا، وهكذا تجد الإنسان مع جيرانه، المرأة مع جارتها، تمر السنون ما خرج من بيتهم شيء ولو مرقة. لكن هو ينتظر من الآخرين أن يقدموا له أنواع الهدايا في جميع المناسبات، في الولادة، وفي دخول المستشفى والخروج منه، ودخول كذا، هذه نوعيات من الناس موجودة للأسف الشديد. فأقول: الدرجة الثانية: أن يحسن الإنسان إلى من أحسن إليه، يكون يحمل مشاعر، يشكر من أحسن على الأقل.