قال الزمخشري: «الجلباب ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها». وقال تعالى: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» النور: 31. قال الراغب في المفردات: «أصل الخَمْر ستر الشيء والخمار صار في التعارف اسماً لما تغطي به المرأة رأسها، وجمعه خُمُر». والجيب فتحة الثوب من الأعلى، وذكرت في قصة موسى عليه السلام في معجزة إدخال يده في جيبه. أما القميص فلم يرد ذكره إلا في قصة يوسف عليه السلام في ستة مواضع. ومن اللباس الوارد في القرآن السربال، (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم) «النحل: 81». قال البيضاوي: «السرابيل تعم كل ما يلبس». والسرابيل التي تقي البأس هي لباس الحرب. وذكرت السرابيل في لباس أهل النار (سرابيلهم من قطران) «إبراهيم: 50». وللباس استعمالات بيانية أخرى، كقوله تعالى عن الزوجات (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) «البقرة: 187». قال تعالى (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم وريشا ولباس التقوى ذالك خير) من منطلق الآية الكريمة - مجلة أوراق. أتى بالمعنى الذي يستحيا من ذكره بعبارة جزلة راقية، وفي الوقت ذاته تشير إلى أن الزوجين لا يستغني أحدهما عن صاحبه كما لا يستغني عن لباسه الذي هو من ضرورات الحياة. وكقوله تعالى (ولباس التقوى ذلك خير) «الأعراف: 26». شبه الله تعالى تقواه باللباس الذي يحيط بالإنسان، إشارة إلى وجوب ملازمتها له كما يلازمه لباسه.
وقوله (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) «النحل: 112». عبّر الله تعالى عن الجوع والخوف الشديدين باللباس، لأنه لشدته كأنه عمّ جميع الجسم، فصار كاللباس الذي يشتمل على كل أجزاء الجسد.
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري، واللباس الذي المقصود منه الجمال، وهكذا سائر الأشياء، كالطعام والشراب والمراكب، والمناكح ونحوها، قد يسر اللّه للعباد ضروريها، ومكمل ذلك، و [بين لهم] أن هذا ليس مقصودا بالذات، وإنما أنزله اللّه ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته، ولهذا قال: { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} من اللباس الحسي، فإن لباس التقوى يستمر مع العبد، ولا يبلى ولا يبيد، وهو جمال القلب والروح. وأما اللباس الظاهري، فغايته أن يستر العورة الظاهرة، في وقت من الأوقات، أو يكون جمالا للإنسان، وليس وراء ذلك منه نفع. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة الأعراف - الآية 26. وأيضا، فبتقدير عدم هذا اللباس، تنكشف عورته الظاهرة، التي لا يضره كشفها، مع الضرورة، وأما بتقدير عدم لباس التقوى، فإنها تنكشف عورته الباطنة، وينال الخزي والفضيحة. وقوله: { ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي: ذلك المذكور لكم من اللباس، مما تذكرون به ما ينفعكم ويضركم وتشبهون باللباس الظاهر على الباطن.
أمّا كونه أنزلها من السماء فهو قوله تعالى في سورة الحديد {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}.
وعن ابن عباس أنه الإيمان والعمل الصالح. قال: الإيمان والعمل خير من الريش واللباس وعن معبد الجهني أنه الحياء. وفي رواية عن ابن عباس أنه السمت الحسن في الوجه. ومراده ما يدل على ما عليه النفس من طيب السريرة ، وبذلك يكون بمعنى ما سبقه. ورووا من الحديث المرفوع ما يؤيده ، فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال: رأيت عثمان على المنبر قال: أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " والذي نفس محمد بيده ما عمل أحد قط عملا سرا إلا ألبسه الله رداءه علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر " ثم تلا هذه الآية. وفي أنه قال ورياشا ولم يقل وريشا ، وفسره عكرمة وعطاء بما يلبس المتقون يوم القيامة ، قالا: هو خير مما يلبس أهل الدنيا ، ومعناه: أن اللباس الذي يكون في الآخرة جزاء على التقوى ، ذلك خير من لباس أهل الدنيا. يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا. هذه أقوالهم ملخصة من الدر المنثور ، وجعله بعضهم من اللباس الحسي الحقيقي ، ففي بعض كتب التفسير عن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام أنه لباس الحرب: الدرع والمغفر والآلات التي يتقى [ ص: 321] بها العدو. واختاره أبو مسلم الأصفهاني. وهو مأخوذ من قوله تعالى في سورة النحل: ( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) ( 16: 81) وقوله تعالى في داود من سورة الأنبياء عليهم السلام: ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) ( 21: 80) ولا مانع عندنا من استعمال التقوى هنا فيما يعم هذا وذاك.