السائل الكريم تحية طيبة، لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالوفاء بالوعود، يقول تعالى: (وَأَوفوا بِعَهدِ اللَّـهِ إِذا عاهَدتُم وَلا تَنقُضُوا الأَيمانَ بَعدَ تَوكيدِها وَقَد جَعَلتُمُ اللَّـهَ عَلَيكُم كَفيلً)، "النحل:91" فالأصل في الإنسان المسلم أن يفي بوعوده، والوعد قد يكون بشيء مشروع أو بشيء منهي عنه. أمّا الوعد بشيءٍ منهي عنه؛ كالوعد بالكذب، أو السرقة، فلا خلاف بين الفقهاء أنه لا يجوز له شرعاً تنفيذ وعده، وإن كان الوعد بشيء واجب كأن وعد أن يصلي الفرائض أو يصوم رمضان، فإن عليه أن يفي بما وعد ، وأمّا لو وعد بما هو مباح فالأصل أن يفي بوعده لأنّ ذلك من مكارم الأخلاق وقد امتدحهم الله سبحانه وتعالى، يقول تعالى: (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ). "مريم:54"
ما هي كفارة إخلاف الوعد مع الله؟ قال ابن قدامة: إذا قال عليّ عهد الله وميثاقهِ لأفعلنّ، أو قال: وعهدُ الله وميثاقهِ لأفعلنّ، فيُعتبر يميناً، وإن قال: والعهدُ والميثاق لأفعلنّ، ونوى في ذلك عهد الله، فقد احُتسب يميناً؛ وذلك لأنه نوى الحِلف بصفةٍ من صفات الله تعالى. أمّا رأي ابن تيمية رحمه الله في العهد فقال: أنّها تارةً تكونُ يميناً ونذراً، وتارةً أخرى تصبح يميناً فقط. فقال العهودُ والعقود متقاربةٌ في المعنى أو تكون متفقة، فإن قال: أُعاهدُ الله إنّي أحجّ العام لبيت الله فقد أصبح نذراً وعهداً ويمين. وإن قال: لا أكلمُ فلان، فيُعتبر عهدٌ ويمين وليس نذراً. فالإيمانُ هنا تضمنت معنى النذر، وهو أنّ يلتزمُ لله قُربةً، فيلزمُ هنا الوفاء وهي عقد وعهد ومعاهدةً لله؛ لأنّه التزم لله ما يطلبهُ الله منهُ. وأنّ من لَم يفعل بما عاهد الله عليه، فقد خلفَ العهد الَّذي بينه وبين ربه، وتوجب عليه أن يتوب، وكفارةُ يمين وهذا كان اختيار ابن تيمية قال: إن ما وجب بالشرع إن نذره العبد، أو عاهد الله عليه، أو بايع عليه الرسول، أو الإمام، أو تحالف عليه جماعة، فإنّ هذه العهود والمواثيق تقتضي له وجوباً ثانياً غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول، فتكون واجبة من وجهين، بحيث يستحق تاركها من العقوبة ما يستحقهُ ناقض العهد والميثاق، وما يستحقه عاصي الله ورسوله، وهذا هو التحقيق، وهي رواية عن أحمد، وقاله بذلك أيضاً طائفة من العلماء.
حكم إخلاف الوعد الفهرس 1 حُكم إخلاف الوعد 2 حالات إخلاف الوعد 3 الوفاء بالوعد مع الله 4 المراجع حُكم إخلاف الوعد ذهب الجمهور من الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة إلى أنّ الوفاء بالوعد ليس بواجبٍ بل هو مستحبٌّ، فمن أخلف بالوعد فلا إثم عليه لكنّه ارتكب أمراً مكروهاً كراهةً تنزيهيّةً، وذهب بعض أهل العلم إلى كون الوفاء بالوعد واجباً على الإطلاق، والبعض فصّل في هذا القول، فقالوا: إن كان الإخلاف بالوعد يترتّب عليه ضررٌ يجب الوفاء به، أمّا إن لم يترتّب عليه شيءٌ فهو أمرٌ مستحبٌّ. [1] حالات إخلاف الوعد قد يكون هناك حالاتٌ يُعذر المسلم فيها عند إخلاف الوعد أو العهد، ومن هذه الحالات: [2] النسيان؛ فمن وعد شخصاً، ومن ثمّ نسي وقته أو نسي هذا الوعد فلا حرج في ذلك، إذ إنّ الله عفا عن النسيان في فعل حرامٍ أو ترك واجبٍ. الإكراه؛ فمن أكره على إخلاف الوعد، فذلك من الموانع التي تُجيز للمسلم عدم الوفاء؛ مثل من هُدّد بعقوبةٍ أو تمّ حبسه أو منع من الوفاء بالوعد. حصول أمرٍ طارئٍ من وفاةٍ أو مرضٍ أو تعطُّل وسيلة النقل التي يستخدمها.