تشير الروايات التاريخية إلى أن هرقل كاد أن يسلم ويؤمن بدعوة الإسلام لولا خوفه من قساوسته، ومن حوله الذين كانوا يكرهون العرب كرهاً شديداً، وقد توفي هرقل في سنة 641 ميلادي بعد أن شهد هزيمة الروم في اليرموك ورحيلهم عنها سنة 636 ميلادي.
مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ". هكذا في منتهى الوضوح: أسلم تسلم. " يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ. ثم كتب آية من آيات رب العالمين I: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]. ونحن نرى الوضوح والقوة والعزة والحكمة في كل كلمة من كلمات الخطاب. حوار هرقل ملك الروم و أبو سفيان بن حرب. وهذا الخطاب يحتاج إلى وقت طويل حتى نحلله، وندرسه، ونستخرج منه الدروس التي في باطنه، ولكن هنا سوف نشير إلى بعض الدروس المهمة. – فقد حرص الرسول r على ظهور عزته وعزة الدولة الإسلامية في كل كلمة من كلمات الخطاب؛ أولاً: بدأ باسمه قبل اسم هرقل. وهذا الكلام كان خطيرًا في زمانهم، فقد كتب r: " من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم "، ثم دعاه مباشرة للدخول في الإسلام، فقال: " أسلم تسلم ".
قالَ إلى هِرقلَ عظِيم الرُّوم، معناه رئيسِهم، هذا مَا فيه تعظِيمٌ، ما عظَّمَه إنما بيَّنَ أنّ كتابَه هذا موجَّهٌ إلى رئيسِهم، لأنَّه لو قالَ هِرَقلَ فقَط كان يوجَدُ هِرقلُ غَيرُه، وإنمَا قالَ إلى هِرقلَ عظِيمِ الرّوم. الرسولُ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ ما عَظّمَ كافرًا قَطُّ. فأرادَ هِرقلُ أن يُسلِمَ لأنّه كانَ عِندَهُ عِلمٌ بأنّه يَأتي نَبيٌّ اسمُه أحمَد لأنّ عِيسَى عليه السّلام أخبَرهُم بأنّه يأتي بعدِي نَبي اسمُه أحمَدُ فآمِنُوا بهِ وانصُروهُ، عندَه هذا العِلمُ لذلكَ رَغِبَ أن يُسلِمَ، هِرَقلُ أَرادَ أن يُسلِمَ لكنْ خافَ أن يَنبُذَه قَومُه أو أن يَقتُلُوه، خافَ أحدَ الأَمرَين، جمَعَ رؤساءَ مِن قَومِه فقالَ لهم: هَل لَكُم في أن نَتّبِعَ هَذا النّبيَّ العَربيّ، فنَفَرُوا مِن هَذِه الكَلمةِ، فلَمّا رءاهُم نَفرُوا قال: إنّمَا أَردتُ أن أعرِفَ صَلابَتَكُم على دينِكُم والآنَ قَد عَلِمتُ. ففَرِحُوا ورَجَعُوا، خافَ أن يَقتُلُوه أو يُخرِجُوهُ مِن الرِّئاسةِ. هوَ عَرفَ أنّ الرسولَ نَبيٌّ ورَغِبَ أنْ يُسلِمَ لكنْ ءاثرَ الدُّنيا على الآخِرة. وذاكَ المَلِكُ كِسرَى مَزّقَ كتابَ الرّسولِ فدَعا علَيهِ الرّسولُ صلى الله عليه وسلم بأنْ يُمَزِّقَ اللهُ مُلكَه، قال « مزَّقَ اللهُ مُلكَه » بعدَ ذلكَ صارَ المسلِمُونَ يحكُمونَ بلادَه.