قال الحافظ: "قوله: (باب: جلود الميتة قبل أن تدبغ) أي: هل يصح بيعها أم لا؟ أورد فيه حديث ابن عباس في شاة ميمونة، وكأنه أخذ جواز البيع من جواز الاستمتاع؛ لأن كل ما ينتفع به يصح بيعه وما لا فلا" [17]. وقال البخاري أيضا: "باب: جلود الميتة، وذكر الحديث، وفيه: [مر النبي صلى الله عليه وسلم] بعنز ميتة" [18]. "واستدل به الزهري بجواز الانتفاع بجلود الميتة مطلقا، سواء دبغ أو لم يدبغ، لكن صح التقييد من طرق أخرى بالدباغ، وهي حجة الجمهور [19]. واستثنى الشافعي [20] من الميتات الكلب والخنزير، وما [10ب] تولد منهما لنجاسة عينها عنده. ولم يستثن أبو يوسف وداود شيئا أخذا بعموم الخبر، وهي رواية عن مالك [21]. يطهر جلد الميتة بالرياض. وقد أخرج مسلم من حديث ابن عباس رفعه: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر... " [22] إلى أن قال: وذهب قوم إلى أنه لا ينتفع من الميتة بشيء سواء دبغ الجلد أم لم يدبغ، وتمسكوا بحديث عبد الله بن عكيم. قال الترمذي: كان أحمد يذهب إليه ويقول: هذا آخر الأمر، ثم تركه لما اضطربوا في إسناده. إلى أن قال: وأقوى ما تمسك به من لم يأخذ بظاهره معارضة الأحاديث الصحيحة له، وأقوى من ذلك الجمع بين الحديثين بحمل الإهاب على الجلد قبل الدباغ، وأنه بعد الدباغ لا يسمى إهابا، إنما يسمى قربة، وغير ذلك.
رواه مسلم. وعند الأربعة بلفظ: أيما إهاب دبغ. والحديث دليل على أن الدباغ مطهر لجلد ميتة كل حيوان، كما يفيده عموم كلمة: " أيما"، وأنه يطهر ظاهره، وباطنه. وأما حديث عبد الله بن حكيم، الذي استدل به أصحاب القول الثاني، فإنه قد أجيب عنه بأجوبة، منها: أن الحديث مضطرب، فإنه تارة يروى عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة عن مشايخ من جهينة، عمن قرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يتقيد فيه بشهر، أو شهرين، أو أربعين يومًا، أو ثلاثة أيام. وهو مُعَلّ أيضًا بالإرسال، فإن عبد الله بن حكيم لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. وهو منقطع أيضًا؛ لأن ابن أبي ليلى لم يسمع من ابن حكيم؛ ولذلك ترك أحمد بن حنبل القول بهذا الحديث في آخر الأمر، وكان يذهب إليه أولًا. وأيضا هذا الحديث لا يقوى على النسخ؛ لأن حديث الدباغ أصح. يطهر جلد الميتة بجدة. ولو ثبت هنا الحديث، فالأولى أن يحمل على الانتفاع بالإهاب قبل الدبغ. فالقول بطهارة جلود الميتة جميعها أولى؛ لعموم الأدلة. على أن المرء لو ترك استعمال جلد الخنزير -من باب التورع-، لكان ذلك أولى له؛ لكثرة المخالفين، وإن كانت أدلة المجيزين أقوى. والله أعلم.
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلة إلى البرنامج من المستمع بشير حمد، وسعد صالح، يسألان فيها عن جلد الميتة إذا دبغ، يقولان: إنا وجدنا في بعض كتب الفقه: أن جلد الميتة لا يجوز استعماله وإن دبغ، ويرجون الإجابة الصحيحة. جزاكم الله خيرًا. الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.
فالحاصل: أنه يجوز الانتفاع بجلود الميتة مما يؤكل لحمه، بعد الدباغ في كل شيء، من رطب ويابس، في اللبن وفي الماء وفي غير ذلك، هذا هو الصواب. المقدم: جزاكم الله خيرًا.
- لكن المالكية والحنابلة يرون أن جلود الميتة لا تطهر بالدباغ، لأن جلد الميتة جزء منها، والله تعالى يقول: حرمت عليك الميتة، والمفهوم من الآية أن الميتة بلحمها وجلدها حرام لكونها نجساً. يطهر جلد الميتة ب – بطولات. واستدلوا بالحديث الذي روي عن عبدالله بن عكيم قال: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (رواه الخمسة وهم أبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد). - وإذا أخذنا بهذا الحديث فإنه يعتبر ناسخاً لكل حديث كان قبله، لأنه روي عن الرسول قبل وفاته بشهر، ومن ثم فإن الدباغة لا تطهر جلود الميتة على رأي المالكية والحنابلة والزيدية (راجع حاشية الدسوقي ج 1 ص 54 وشرح منح الجليل للشيخ عليش ج 1 ص ،29 وكذلك المغني لابن قدامة ج 1 ص ،55 وشرح الأزهار لابن مفتاح ج 1 ص 38). - ولو نظرنا إلى الرأيين لوجدنا أن أدلة القائلين بجواز تطهر جلود الميتة بالدباغ أرجح، لأن حديث عبدالله بن عكيم الذي استدلوا به على عدم الجواز حديث مرسل. - من أجل ذلك فإن بيع جلود الميتة جائز، لأن الدباغ في حكم الاستحالة، فالكثير من الأشياء حكمنا على طهارتها بعد الاستحالة كالخل ومياه المجاري التي تدخلها اليوم المواد الكيماوية فتحيلها إلى شيء آخر تماماً.
وقال داوود [9]: تطهر حتى جلد الخنزير، وسبب اختلافهم تعارض الآثار في ذلك، وذلك أنه ورد في حديث ميمونة إباحة الانتفاع بها مطلقا، وذلك أن فيه: أنه مر بميتة فقال عليه الصلاة والسلام: "هلا انتفعتم بجلدها" [10]. وفي حديث ابن عكيم: منع الانتفاع بها مطلقا، وذلك أن فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب: "ألا تنتفعوا من الميتة [10أ] بإهاب ولا عصب" [11]. قال: وذلك قبل موته بعام، وفي بعضها الأمر بالانتفاع بها بعد الدباغ والمنع قبل الدباغ. والثابت في هذا الباب: هو حديث ابن عباس: أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" [12]. فلمكان اختلاف هذه الآثار اختلف الناس في تأويلها. هل يجوز بيع جلود الميتة؟ | صحيفة الخليج. فذهب قوم مذهب الجمع على حديث ابن عباس، أعني: أنهم فرقوا في الانتفاع بها بين المدبوغ وغير المدبوغ. وذهب قوم مذهب النسخ، فأخذوا بحديث ابن عكيم؛ لقوله فيه: "قبل موته بعام". وذهب قوم مذهب الترجيح؛ لحديث ميمونة، ورأوا أنه يتضمن زيادة على ما في حديث ابن عباس، وأن تحريم الانتفاع ليس يخرج من حديث ابن عباس قبل الدباغ، لأن الانتفاع غير الطهارة، أعني: كل طاهر ينتفع به، وليس يلزم عكس هذا المعنى، أعني: أن كل ما ينتفع به هو طاهر" [13].