كان حتما للدين الإسلامى أن يخرج إلى العلن، خاصة بعدما دخل فى الدين الجديد عدد من كبار رجال قريش، وبعدما جاءت الأمر من الله سبحانه وتعالى بالإعلان، فما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟ ويقول كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير تحت عنوان "باب الأمر بإبلاغ الرسالة إلى الخاص والعام، وأمره له بالصبر والاحتمال، والإعراض عن الجاهلين المعاندين المكذبين بعد قيام الحجة عليهم، وإرسال الرسول الأعظم إليهم، وذكر ما لقى من الأذية منهم، هو وأصحابه رضى الله عنهم". أوردنا أحاديث جمَّة فى ذلك، فمن ذلك: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما أنزل الله "وأنذر عشيرتك الأقربين" أتى النبى ﷺ الصفا، فصعد عليه، ثم نادى: "يا صباحاه"، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله ﷺ: "يا بنى عبد المطلب يا بنى فهر يا بنى كعب أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟". قالوا: نعم! وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك. قال: "فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد". فقال أبو لهب - لعنه الله -: تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله عز وجل: "تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ" [المسد: 1].
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: لما نزل قول الله تعالى: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(الشعراء:214)، صعد النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا (جبل الصفا) فجعل ينادي: يَابني فِهْرٍ، يَابني عَدِيٍّ ـ لبطون قريش ـ حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما الأمر؟ فجاء أبو لهب وقريش، فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم (أخبروني) لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا!! (وفي رواية قالوا: ما جربنا عليك كذبا)، قال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب: تبّاً (هلاكاً) لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فَنَزَلَتْ: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}(المسد2:1)) رواه البخاري. قال المناوي: "{ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(الشعراء:214) أي: أنذرهم وإن لم يسمعوا قولك أو لم يقبلوا نصحك لكونهم أزهد الناس، فإن ذلك ليس عذراً مسقطا للتبليغ عنك"، وقال الخطابي: "أسلوب الحديث يسمى في علم البديع بالمذهب الكلامي، لأنه صلى الله عليه وسلم استنطقهم أولاً بما أقروا به أنه صادق، فلما اعترفوا ألزمهم بقوله: ( إني نذير لكم) إلخ، أي إذا اعترفتم بصدقي فاتبعوا لما أقول لكم".
وذكر البخل والكذب. تفسير القرآن الكريم مرحباً بالضيف
ففعلت ما أمرني به ، ثمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب. فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته ، فجئتهم به ، فلمّا وضعته ، تناول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جذبة من اللحم ، فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة ، ثمّ قال: خذوا باسم الله ، فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة ، وأيم الله أنْ كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم. ثمّ قال: إسقِ القوم ، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتّى رووا جميعاً ، وأيم الله أنْ كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. سبب نزول الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " | المرسال. فلمّا أراد رسول الله أن يكلّمهم بدره أبو لهب فقال: سحركم صاحبكم ، فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال في الغد: يا علي ، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أنْ أُكلّمهم ، فأعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثمّ اجمعهم ، ففعلت ثمّ جمعت ، فدعاني بالطعام فقرّبته ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا ، ثمّ تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا بني عبد المطّلب ، إنّي قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه ، فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم عنها جميعاً.
لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئاً". • وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا. فَهَتَفَ: "يَا صَبَاحَاهْ" فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي فُلاَنٍ يَا بَنِي فُلاَنٍ يَا بَنِي عَبْد مَنَافٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ" فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: "أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ"؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِباً. الدرر السنية. قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ". قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّاً لَكَ أما جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهذَا؟ ثُمَّ قَامَ: فَنَزَلَتْ هذِهِ السُّورَةُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ. ترجمة راويي الحديثين: • أبو هريرة رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان. • وابن عباس رضي الله عنهما، تقدمت ترجمته في الحديث السابع من كتاب الإيمان.