فالمكافأة لمن صنع إليك معروفاً من أخلاق المؤمنين. وبالتالي فإنه لابد للإنسان المؤمن أن يحب للمؤمنين ما يحبه لنفسه، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه، لحديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) 4. وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على التخلق بالأخلاق الحسنة كبار الصحابة، وعلى رأسهم معاذ وأبي ذر كما في الحديث الصحيح والذي قال فيه: ( وخالق الناس بخلق حسن) 5. عامل الناس كما تحب أن يُعاملوك وليس كما يُعاملوك - المعلومة. قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: معناه: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن 6. وقد ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم- أن من الثلاث التي لا يغل عليهن قلب مسلم: ( ولزوم جماعتهم) 7. أي جماعة المسلمين. قال ابن القيم –رحمه الله- وهو يتكلم عن الأمور التي تحصل بها طهارة القلب: هذا أيضاً مما يطهر القلب من الغل والغش، فإن صاحبَه للزومه جماعة المسلمين يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسؤوهم، ويسره ما يسرهم 8. وفي الحديث عن تميم الداري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( الدين النصيحة). قلنا: لمن؟ قال: ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) 9.
قال ابن رجب –رحمه الله- وهو يتكلم عن صفة النصيحة للمسلمين: فأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضره ذلك في دنياه كرخص أسعارهم، وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة، ويحب ما يصلحهم، وألفتهم، ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم 10. وقال أبو عمرو ابن الصلاح: والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم، والذب عنهم، ومجانبة الغش والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، وما شابه ذلك 11. ولذلك فإنه ينبغي لأهل الإسلام أن يتحلوا بالأخلاق الحسنة، وأن يتعاملوا بالأخلاق الفاضلة، وأن يبتعدوا عن كل الأخلاق السيئة، وأن يعملوا على تحقيق الأخوة الإسلامية فيما بينهم، وأن يحافظوا على جماعة المسلمين، وأن يحذروا ما يسبب الفرقة، ويوغر الصدور، ويورث البغضاء والشحناء بينهم، وأن يتواصوا بالحق والصبر، وأن يضعوا هذه القاعدة عند تعاملهم مع بعضهم البعض نصب أعينهم: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وليرفعوا شعاراً: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) 12.
لا أريدك أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك فحسب، وإنما أريدك أن ترتقي قليلا فتعامل الناس بما تحب أن يعاملك الله -جل جلاله- به الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله (1-2) - محمد بن إبراهيم النعيم - طريق الإسلام. أما بعد: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، عبارة دارجة، وحكمة يكررها الناس، وهي ليست حديثا عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وإنما قاعدة من القواعد المهمة في السلوك المحمود، ولكن دعوني أعطيكم قاعدة أخرى لا تقل في الرقي والسمو من هذه القاعدة، بل هي أفضل منها، أتدرون ما هذه القاعدة؟ "عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله" لا أريدك أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك فحسب، وإنما أريدك أن ترتقي قليلا فتعامل الناس بما تحب أن يعاملك الله -جل جلاله- به، فالذي تريده من الله -عز وجل- افعله للناس كي يمنحك الله إياه. وإليكم بعض الأمثلة: أتريدُ يا عبد الله الرزق ؟ وأن يعطيك الله؟ أنفق في وجوه الخير يُنفقُ اللهُ عليك، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ:( « قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ») [متفق عليه]. فهذا وعد من الله عز وجل بِالْخُلْفِ لمن أنفق في وجوه الخير، قال -عز وجل- { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفهُ}.
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن من المهارات التي ينبغي أن يتقنها الإنسان فن التعامل مع الناس، وهذا يحتاج إلى دربة وتعود على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة. ولقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- مثالاً عالياً في مكارم الأخلاق والمعاملات، وفي جميع شؤون الحياة، فينبغي علينا أن نقتدي به في ذلك: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} سورة الأحزاب(21). فهو صاحب الأخلاق الحسنة من الوفاء بالوعد، وصدق الحديث، وإكرام الضيف، وإعانة المحتاج، وما إلى ذلك من الأخلاق التي تخلق بها مما ورد في الكتاب، فلقد كان خلقه القرآن. ولذلك فقد وجدنا في السنة أنه صلى الله عليه وسلم يحث على الأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، بل ويبين أن الإنسان بحسن خلقه يبلغ ما لا يبلغه الصائم القائم؛ كما في حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) 1. عامل كما تحب ان تعامل. وبحسن الأخلاق يكون الإنسان المؤمن من أقرب الناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مجلساً؛ فعن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في مجلس: ( ألا أحدثكم بأحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة) ثلاث مرات يقولها، قال: قلنا بلى يا رسول الله ، قال: فقال: ( أحسنكم أخلاقا) 2.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. 1 رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: صحيح؛ كما في تعليقه على المشكاة، رقم(5082). 2 رواه أحمد، وذكر الألباني أنه صحيح كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (2650). 3 رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: صحيح؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(1468). 4 رواه البخاري ومسلم. 5 رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال الألباني: حسن؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(3160). 6 شرح الأربعين(52). 7 رواه الترمذي، وذكر الألباني في تعليقه على المشكاة أنه صحيح، رقم(228). 8 مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة(2/72- 73) الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت. 9 رواه مسلم. 10 جامع العلوم والحكم(80). الناشر: دار المعرفة – بيروت. الطبعة الأولى (1408هـ). 11 نقله عنه ابن رجب في جامع العلوم والحكم(80- 81). 12 أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس -رضي الله عنه-.
ولمعرفة المزيد من فنون التعامل مع الناس يمكن عبر: فن التعامل مع الناس نصائح في التعامل مع الناس لكي تُعامل من الناس كما تُحب أن تعامل يجب عليك الاستماع للنصائح التالية: السلام على الآخرين بصدق واهتمام، والاستماع إلهم عند التحدث معك، وترك ما في اليد والإصغاء إليهم، فذلك لا يستغرق منك سوى بضعة دقائق. أظهر الاهتمام بالآخرين من خلال التركيز على الإيجابيات، والتعزيز من ثقتهم بأنفسهم، ووصول إحساس الاهتمام والثقة بهم. الدعاء للناس بالخير، والدعاء بظهر الغيب الذي له فائدة كبيرة على قلوب الناس، لوجود ملك يرد بقول ولك بالمثل، فيساعد ذلك على حلول البركة بين الناس. يجب أن تعرف أنك كما تدين سوف تُدان، حيث أن ما تفعله مع الآخرين سوف يُرد إليك في الوقت المناسب بشكل ما، لذلك عليك الانتباه لكل ما تقول أو تفعل. الابتسام في وجه الآخرين ورسم البسمة على الشفاه عند مقابلتهم، لذلك يجب عليك التبسم عند لقاء الأشخاص أو وداعهم. الاهتمام بالنفس لكي تستطيع الاهتمام بالآخرين، فيجب عليك الاعتناء بغذائك وملبسك ودراستك، وصحتك ووظيفتك، وبعد ذلك يمكنك التفكير في الآخرين، فهذا ليس دليل على الأنانية، حيث أن فاقد الشيء لا يُعطيه.
احتساب الخير الذي تفعله لوجه الله عز وجل، والثقة بأن الله تعالى سوف يعوضك خير بإذن الله، لذلك عليك الصبر على الأهل والأصدقاء، وعدم معاملتهم بالمثل لو أخطأوا في حقك، حيث يكون هذا الصبر في ميزان حسناتك إن شاء الله تعالى. التفاؤل بالخير مهما واجهت من مشاكل، ويجب عليك العلم أنه بعد كل ليل صباح مشرق. معاملة الناس بلطف، والتأني والتفكير قبل الكلام لعدم قول شيء قد يكون محل ندم. تحلى بالأخلاق السحنة، وذلك من خلال المواظبة على الصوم والصلاة، وبذلك ترتفع منزلتك درجات عند الله سبحانه وتعالى. عند الرغبة في ننصح أحد الأشخاص، فيجب عليك إخباره بالنصيحة على انفراد حتى لا تتسبب في إحراجه أمام الآخرين، حتى لا يتضايق منك لإحراجه أمام الناس. أستر على عورات إخوانك، حتى ولو ارتكبوا الأخطاء، فنحن جميعاً غير معصومين من الخطأ، ولكن يجب التوبة من الذنوب لأن خير الخطائين التوابين. السعي للخير بشكل دائم ومحاولة مساعدة الآخرين سواء من خلال المال أو الجهد، ولا تستعرض ما فعلته وتقول لقد فعلت هذا وذاك، والإخلاص في النية، وفعلها بدون مقابل. الشكر الدائم لله سبحانه وتعالى، وتوافر المبادئ في الحياة، والتقرب من الآخرين لتوطيد العلاقات بهم من خلال تقديم الهدايا حتى ولو كانت بسيطة، فهي تعبير عن الاحترام والود وتكوين فكرة جميلة عن الشخص عند المحيطين.