ولفت إلى أن "قرار الجمعية العامة هو قرار سياسي بامتياز وتغول أمريكي متكرر في ظل ضعف عالمي ليس بجديد، لكن المؤكد أيضا، أن العالم لن يظل كما نعرفه.. نحن نعيش مرحله المخاض لنظام سياسي دولي جديد سيأخذ وقته بالتأكيد وربما لن يكون عادلا تماما كما نتمنى، لكنه تحرك للراكد، وربما يكون إلى مستقبل أفضل".
في منتصف القرن السادس عشر، ومع تفاقم الصراعات في القارة العجوز، بدأ الأوروبيون بالهجرة إلى أمريكا الشمالية، فشرعوا بإنشاء المدن وتشييد المستعمرات، وقد ساهمت زراعة التبغ ورواج تجارتها، ونشاط التنقيب عن الذهب بتدفق أعداد كبيرة منهم، خاصة من الإسبان والإنجليز، وهو ما تطلب الاستيلاء على الأراضي التي كان السكان الأصليون يعيشون فيها لصالح المهاجرين الجدد، ولذلك كان إفراغ هذه الأراضي منهم أمراً لا بد منه، لتبدأ عملية إبادة نحو 100 مليون مواطن أمريكي أصلي (بعض التقديرات تشير إلى أنهم أكثر من ذلك بكثير) ينتمون إلى 400 عرقية. عمليات التصفية وقد تنوعت الأساليب التي استخدمت في عمليات تصفية الهنود الحمر على يد الرجل الأبيض، فالبنادق وحدها لم تكن كافية لإتمامها، ولذلك عمدوا إلى حرق المحاصيل من أجل تجويعهم، بل وحرقوهم هم أنفسهم، وسمموا مياه الشرب، كما نشروا الأمراض المعدية، إذ حين بلغ تنكيل الأوروبيين بهم مبلغاً عظيماً، طلب الهنود الحمر عقد معاهدات صلح، وهو ما وافق المستعمرون عليه، قبل أن يقوموا بإهدائهم أغطية تم جلبها من المصحات الأوروبية، محملة بالطاعون والدفتريا والحصبة والسل والكوليرا، في حرب بيولوجية منظمة قضت على أكثر من 80% من الهنود الحمر.
وقد اُستُخدمت هذه الصورة في إطار دعائي أيديولوجي واسع داخل أوروبا وخارجها للترويج للسياسة الأوروبية الاستعمارية. يقول منير العكش، الأستاذ بجامعة سفولك الأميركية: "تعتبر قصة الإنجليز الذين أسسوا أول مستعمرة فيما صار يُعرف اليوم في الولايات المتحدة بإنجلترا الجديدة، الأصل الأسطوري لكل التاريخ الأميركي.. الهنود الحمر - أراجيك - Arageek. وما يزال كل بيت أميركي يحتفل سنويا في عيد الشكر (Thanksgiving) بتلك النهاية السعيدة التي ختمت قصة نجاتهم من ظلم فرعون البريطاني و(خروجهم) من أرضه، و(تيههم) في البحر، و(عهدهم) الذي أبرموه على ظهر سفينتهم مع يهوذه، ووصولهم في النهاية إلى (أرض كنعان). كل تصورات العبرانيين القدامى ومفاهيمهم عن السماء والأرض والحياة والتاريخ زرعها هؤلاء المستعمرون الإنجليز في أميركا التي أطلقوا عليها اسم "أرض الميعاد" و"صهيون" و"إسرائيل الله الجديدة" وغير ذلك من التسميات التي أطلقها العبرانيون القدامى على أرض فلسطين. وقد استمد هؤلاء الإنجليز كل أخلاق إبادة الهنود (وغير الهنود أيضا) من هذا التقمص التاريخي لاجتياح العبرانيين لأرض كنعان. كانوا يقتلون الهنود وهم على قناعة بأنهم عبرانيون فضّلهم الله على العالمين وأعطاهم تفويضا بقتل الكنعانيين، وكانت تلك الإبادة للهنود، وهي الإبادة الأكبر والأطول في التاريخ الإنساني، الخطوة الأولى على الطريق إلى هيروشيما وفيتنام"[5].
جاء كولومبوس محمًّلًا بأفكار الحروب، وممتلئًا بأفكار السيطرة والاستيلاء والقيادة، بالإضافة إلى وجود شعبٍ منقطعٍ عن العالم، وبعيدًا عن أفكاره وتطلعاته الفكرية، ومسالم جدًّا، بالطبع كانت فكرة الاستيلاء على تلك الأراض محفِّزة للغاية وقوية، خاصَّةً أنَّ المستعمر الأوروبي ليس لديه أيَّة أفكارٍ عن السلام، أو التعايش مع الآخر؛ فالقاعدة الأساسية لديه، هي «أنا فقط لا غير». «لا تعايش».. الإبادة هي سبيل المجرمين الوحيد بدأ الزائر العدو مباشرةً في عمليَّة إبادةٍ جماعيَّةٍ للسكان الأصليين، دون أيَّة رقابةٍ أو مراعاةٍ للحرمة؛ فقتلوا النساء والأطفال، والشباب، ودمَّروا الأخضر واليابس، وسمَّموا الآبار، وذبحوا الماشية، وليس هذا بغريب عليهم فهما فعلوه هو ميراث أوروبا الأسود وما اعتادوا عليه هلى مر العصور، ومع ذلك لم كان من قادة القبائل الهنديَّة إلَّا أنَّهم طلبوا السلام مع المحتل القادم. على الرغم من أنَّهم لا يملكون ما يُدافعون به عن أنفسهم وذويهم، فإنَّهم ما كان لديهم سبيل غير ذلك، ولكن أَبَى المعتدي إلَّا أن يتعامل بالطرق الملتوية، فقَبِلَ القادة المعتدون السلام مع الهنود الحمر، ولكن كانت تحرِّكهم المكائد، فأقنعوهم بأنَّهم سوف يُمدُّونهم بأغطيةٍ لحمايتهم، كرمزٍ لقبولهم المعاهدة السلميَّة.