وإثباته السماع قبل الاختلاط يجعله مقبولًا كما لا يخفى، وقال المنذري: "قال الإمام أحمد: مَن سَمع منه قديمًا فهو صحيح، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء"، قال المنذري رحمه الله: "ووافقه على هذه التفرقة غير واحد" [11]. وقال الهيثمي: "رواه أحمد والبزار، وفيه عطاء بن السائب وهو ثقة اختَلَط، ولكنه مِن رواية حماد بن سلمة عن عطاء، وحماد سَمِع منه قبل الاختلاط"، جاء هذا في كلامه عن حديث عبدالله بن عمرو في باب ما يفتتح به الصلاة [12]. دروس وفوائد من أقوال وأفعال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1) شعر الرأس. ورواية حماد عن عطاء مما استثناه الجمهور؛ فهي صحيحة كما جاء ذلك في "الكواكب النيرات في معرفة الرواة الثقات" [13]. وقد قوَّى ابنُ حَجَر رحمه الله هذا الكلام بقوله: "قال ابن الجارود في "الضعفاء": حديث سفيان وشعبة وحماد بن سلمة عنه جيد، وحديث جرير وأشباه جرير ليس بذاك. وقال يعقوب بن سفيان: هو ثقة حجة، وما روى عنه سفيان وشعبة وحماد بن سلمة سماع هؤلاء سماع قديم... ثم قال: قلتُ: فيحصل لنا من مجموع كلامهم أنَّ سفيان الثوري وشعبة وزهيرًا وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يُتَوقَّف فيه إلَّا حماد بن سلمة فاخْتَلف قولُهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين: مرة مع أيوب كما يومئ إليه كلام الدارقطني، ومرة بعد ذلك لمَّا دخل إليهم البصرة، وسمع منه مع جرير وذويه، والله أعلم" [14].
ذات صلة أجمل أقوال الإمام علي من أقوال وحكم ومواعظ علي بن أبي طالب الأمام علي رضي الله عنه هو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أصحابه الذين رافقوه في حياته وهو رابع الخلفاء الراشدين ومن العشرة المبشرين بالجنة، وقد اشتهر بالفصاحة والحكمة والقوة والشجاعة والعدل، ولسيدنا علي الكثير من الأقوال والحكم المؤثرة والتي نذكر منها. لا رأي لمن لا يطاع. من أعجب برأيه ضل. تبلغ باليسير فكل شيء.. من الدنيا يؤول إلى انقضاء. صدر العاقل صندوق سره. ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه. لا تفرح بسقوط غيرك، فإنك لا تدري ما تضمر لك الأيام. عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم. واحذر ذوي الخلق اللئام فإنهم.. في النائبات عليك ممن يخطب.. يسعون حول المرء ما طعموا به.. وإذا نبا دهر جفول وتغيبوا. الرغبة إلى الكريم تحركه إلى البذل، وإلى اللئيم تغريه بالطمع. وألق عدوك بالتحية لا تكن.. منه زمانك خائفا تترقب. أجزر المسيء بثواب المحسن. دع الحرص على الدنيا.. وفي العيش فلا تطمع.. أقوال وحكم الأمام علي بن أبي طالب - موضوع. ولا تجمع من المال.. فلا تدري لمن تجمع. آلة السياسة سعة الصدر. الناس من خوف الذل في ذل. أعظم الذنوب ما استخف به صاحبه. من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب.
أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله. من نظر في عيوب الناس فأمركها ثم رضيها لنفسه، فذلك هو الأحمق بعينه. عيبك مستور ما أسعدك جدك. من أراد الغنى بغير مال، والكثرة بلا عشيرة، فليتحول من ذل المعصية إلى هز الطاعة إلى الله، إلا أن يذل من عصاه. لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب. تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها.. من الحرام ويبقى الإثم والعار.. تبقى عواقب سوء في حقيبتها.. لا خير في لذة من بعدها نار. لسان المؤمن من وراء قلبه، وقلب الكافر من وراء لسانه. المرء باصغريه: قلبه ولسانه. واحفظ لسانك واحترز من لفظه.. فالمرء يسلم باللسان ويعطب. لسانك حصانك، إن صنته صانك. ذهبَ الوفاءُ ذهابَ أمسِ الذاهبِ.. فالناسُ بين مخاتلٍ ومواربِ يغشون بينهمُ المودةَ والصفا.. وقلوبُهم محشوةٌ بعقاربِ. اقوال علي بن ابي طالب في عمر بن الخطاب. الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة. نعم المؤازرة المشاورة. أعقل الناس أعذرهم للناس. إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه. فإِن قيلَ في الأسفارِ ذلٌ ومحنةٌ.. وقطعُ الفيافي وارتكابُ الشدائدِ فموتُ الفتى خيرٌ له من قيامِه.. بدارِ هوانٍ بين واشٍ وحاسدِ. لا تصحب في السفر غنيا فإنك إن ساويته في الإنفاق أضر بك، وإن تفضل عليك استذلك.
استنزلو الرزق بالصدقة. من تبصر في الفطنة تبينت له الحكمة. لا تضعو الحكمة في غير أهلها فتضلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم. رُبَّ يومٍ بكيْتُ منه فلما.. صِرْتُ في غيرِه بكيْتُ عليه. الإيمان معرفة بالقلب وإفراز باللسان وعمل بالأركان. استنزل الرزق بالصدقة. وإِذا رأيْتَ الرزقَ ضاقَ ببلدةٍ.. وخشيتَ فيها أن يضيقَ لا مكسبُ فارحلْ فأرضُ اللّهِ واسعةُ الفضا.. طولاً وعَرْضاً شَرْقُها المغربُ. إِن حياً يرى الصلاحَ فَسادا.. أو يرى الغيَّ في الأمورِ رشادا لقريبٌ من الهلاك كما أهلك.. سابورُ بالسواد إِيادا. و اتقو الله عباد الله وبادرو آجالكم بأعمالكم فإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى. مكارم الأخلاق عشر: صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم. ولا تقيمن بدارٍ لا انتفاعَ بها.. بالشكر تدوم النعم. علي بن أبي طالب (ع). فالأرضُ واسعةٌ والرزقُ مبسوطُ. لِعُمركَ ما الإنسانْ إلا بِدينهِ فَلا تَترُك التقوى اتكالاً على النسبِ فقَدْ أعزّ الإسلامَ سلمانَ فارس ووضع الشِركُ الشريفَ أبا لهب. التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. دولة الباطل ساعة، ودولة الحق حتى قيام الساعة.
خالف نفسك تسترح. إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الكرم حسن الخلق. لو كان الفقر رجلاً لقتلته. العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى. الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن. ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضى. برّ الوالدين أن تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية. إن تتعب في البر فان التعب يزول والبر يبقى. أَلا وإن من البلاء الفاقة، وأَشدّ من الفاقة مرض البدن، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب. أَلا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب. من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. ثواب الآخرة خير من نعيم الدنيا. عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار. ظن العاقل أصح من ظن الجاهل. عيبك مستور ما أسعد حظك. الحظ يأتي من لا يأتيه. عاتب أخاك بالإحسان إليه واردد شره بالإنعام عليه. إنما الفخر لعقل ثابت.. اقوال علي بن ابي طالب عن الظالم. وحياء وعفاف وأدب. قُرِنَت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان. إِن الكريمُ إِذا حباكَ بموعدٍ.. أعطاكهُ سلساً بغير مطالِ. التوبة اسم يقع على ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية وإذابتها في الطاعة كما ربيتها في المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.
وبعضهم ضَعَّفُوه، قال الشوكاني: "وقال النووي: ضعيف، وعطاء قد ضعف قبل اختلاطه، ولحماد أوهام، وفي إسناده أيضًا زاذان وفيه خلاف" [7]. اقوال علي بن ابي طالب عن الذل والانكسار. ومِن المتأخِّرِين الذين ضَعَّفوه الألبانيُّ، فقال: "وهذا إسناد ضعيف، عطاء بن السائب كان اخْتَلَط، وقد روى حماد عنه بعد الاختلاط كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ، فسماعُه منه قبل ذلك - كما قال آخرون - لا يجعل حديثَه عنه صحيحًا بل ضعيفًا؛ لعدم تميُّز ما رواه قبل الاختلاط عمَّا رواه بعد الاختلاط، هذا خلاصة التحقيق في هذه الرواية" [8]. وقد ذكر الصنعاني سبب الاختلاف فقال: "وسبب اختلاف الأئمة في تصحيحه وتضعيفه أنَّ عطاء بن السائب اخْتَلَط في آخِر عمره، فمَن روى عنه قبل اختلاطه، فروايتُه عنه صحيحة، ومَن روى عنه بعد اختلاطه، فروايته عنه ضعيفة، وحديث عليٍّ هذا اختلفوا: هل رواه قبل الاختلاط أو بعده؟ فلذا اختلفوا في تصحيحه وتضعيفه حتى يتبيَّن الحال فيه" [9]. قلتُ: إنَّ مَن تتبَّع كثيرًا مِن أقوال العلماء في الجرح والتعديل يجدهم يُثبِتون سماع حماد من عطاء قديمًا قبل الاختلاط، ففي رواية الدوري عن ابن معين قال: "حديث سفيان وشعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة عن عطاء بن السائب مستقيمٌ، وحديث جرير بن عبدالحميد وأشباه جرير ليس بذاك؛ لتغيُّر عطاء في آخِر عمره" [10].