فإذا استطاع الربيع أن ينفخ الحياة في بذرة ورقة، وفي غصن وثمرة، فما باله يعجزعن ابتعاث الطير وتحريك الأحياء؟ وما بالنا نرجع إلى الطعام ولا نرجع إلى الذي نفخ الحياة في الشجر الأعجف فأصبح طعاماً يأكله من يشاء لماذا لا يفهم العلماء هذا؟ لأنهم لو فهموه لأصبحوا شعراء... وقد يتفق العلم والجهل؛ أما العلم والشعر فمعاذ الله لا يتفقان! كلمات قصيدة صوت صفير البلبل. ولا نحب أن نسأل العلماء عن الربيع، فإن الربيع لمن يحسونه لا لمن يدرسونه، والذين يحسونه لا يستكثرون عليه أن ينطق الجماد بالألحان، فضلا عن البلبل والكروان فلنسأل الشعراء والشعراء يقولون إن الربيع شباب الزمان. صدقوا، أي تعريف للربيع أبلغ من هذا التعريف؟ ثم ما الشباب؟ قالوا: والشباب ربيع العمر... وصدقوا أيضاً. فأي أوان في العمر هو أشبه بالربيع من أوان الشباب؟ لكن ما الربيع والعمر معاً معشر الشعراء؟ هنا يسكت أصحابنا الشعراء، لأنهم لا يحبون الاستقصاء، ولا يتعقبون الأشياء تعقب الأعداء والرقباء فليكن الشباب ربيع العمر وليكن الربيع شباب الزمان وكفى بذلك تعريفاً لمن يحسون. أما الذين لا يحسون فما هم بعارفين، ولا هم معرفون وكثير من الذين يحسون قد عرفوا للشباب علامات، وإن لم يحصروه بالكلمات، ولا بالأوقات فقال الموسيقار موريز روزنتال: (إنك لشاب إذا استطاعت امرأة أن تسعدك واستطاعت أن تشقيك، وإنك لكهل إذا استطاعت إسعادك ولم تستطع أشقاءك، وإنك لشيخ فان إذا عجزت معك عن هذا وذاك) وقالت ظريفة باريسية: إنك شاب إذا أكلت علبة من الحلوى كل يوم واستمرأت أكلها، وإنك لأكبر عمراً إذا قلت إن الحلوى لسم زعاف، ولكنك تأكلها مع ذاك.
مجلة الرسالة/العدد 175/صديق! للأستاذ علي الطنطاوي أستأذن أستاذنا المازني فأستعير منه تلك الكليشيه المعهودة التي كان يصدر بها مقالات ذات الثوب الأرجواني، لأقول: إن المقالة خيالية لا حقيقة، وأؤكد هذا للقراء! كلمات صوت صفير البلبل مكتوبة. (علي) قال:... لا أدري كيف عرفته، ولا أعلم السبيل التي دخل منها إلى قلبي؛ فاحتل فيه هذه المنزلة، ولم أنتبه له إلا وهو ملء سمعي وبصري وعقلي... وإنني لأعرفه منذ عشرين يوماً، ولكني أحاول عبثاً حين أحاول ادكار بدايتي معه، لأنه عماد حياتي؛ لا أستطيع أن أتصور لصلتي به بداية؛ عرفته يوم عرفت الدنيا؛ لم أجهله قط ولم أنفرد عنه ساعة؛ وهو دنياي، إن لقيته لقيت الحياة، وإن نأى عني وجدت كل شيء في الحياة ميتا. ولست أدري أي صلة هذه، ولا أعرف لها تحديداً مضبوطاً، ولكن الذي أدريه وأعرفه أنه ليس له في أعماق قلبي إلا الصداقة. إنني لم أنظر إلا إلى روحه، بل أنا لا أقدر أبداً أن أتخيله بشراً من لحم ودم.
وإنك لشيخ يائس إذا انقطعت عن أكلها وعن ذمها وعن اشتهائها وقالت: (إنك لشاب إذا أنت أحببت الكتب والروايات ومناظر السينما التي تبكيك، وإنك لأكبر عمراً إذا أنت آثرت عليها ما يضحكك ويسليك، وإنك لشيخ يائس إذا أعرضت عنها وهي مبكية ومسلية على السواء) وقالت تخاطب النساء: (أنت شابة إذا نظرت أول ما تنظرين إلى عيني الرجل، وأنت أكبر عمراً إذا نظرت أول ما تنظرين إلى يديه) وقالت: (أنت شابة إذا راقك الثناء على ذكائك، وأنت أكبر عمراً إذا آثرت الثناء على جمالك ومرآك) وقالت: (أنت شابة إذا أسفت على وقت ضاع منك في النوم.