[5]. وعلى شاكلتهم نجد الطيب صالح يثني على الخليفة العباسي المأمون؛ لأنه كان يؤمن بأقوال المعتزلة القائلة بأن القرآن غير سرمدي!. إن المسألة ليست سَبْق لسان، ولا غلطة بنان؛ بل هو انطباع بدأ يتكوَّن لدى البعض من مفكرينا السلفيين، وهو - بطريقة أو بأخرى - لا يخرج عن مفهوم (توحيد الكلمة، على حساب كلمة التوحيد). إنها مسألةٌ كبيرة، ومقالةٌ عظيمة أشغلت الفكر الإسلامي قروناً متطاولة، وشلَّت حركة التربية في أجيال المسلمين، وما زالت حاضرة في أذهان أتباع هذا المنهج التوفيقي وعقولهم. أما الكتب المنزَّلة ذات الترتيب والنظم والحروف - ومنها القرآن - فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة؛ بل هي عبارة عن كلام الله النفسي، والكلام النفسي شيءٌ واحدٌ في ذاته، لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراةٌ، وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل، وإن جاء بالعربية فهو قرآن، فهذه الكتب كلها مخلوقة، ووصفها بأنها كلام الله مجازٌ؛ لأنها تعبيرٌ عنه. محمد حامد الأحمري - حكم. واختلفوا في القرآن خاصة؛ فقال بعضهم: "إن الله خلقه أولاً في اللوح المحفوظ، ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم". وقال آخرون: "إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي، وأفهمه جبريل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فالنزول نزول إعلام وإفهام، لا نزول حركة وانتقال"؛ لأنهم ينكرون علوَّ الله.
فأيُّ الفريقين أحق بالصواب؟ وأيُّ الموقفين أقرب لمنهج السلف والأصحاب؟. [1] انظر: منهج الأشاعرة، للشيخ د. سفر الحوالي (ص23- 24). [2] انظر: المصدر السابق. [3] انظر: الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها، للشيخ د. سعيد الغامدي (2 /961). [4] المصدر السابق: (ص962). [5] المصدر السابق: (ص 963). [6] سورة البقرة: الآيات (246- 251). أن الحداثيين - الذين لا يماري الدكتور في منابذتهم لشريعة الله - يعتبرون أن أصول الفرق الضالة – كالمعتزلة، والخوارج، والباطنية، والصوفية - من الأصول الفكرية للحداثة، وما ذاك إلا لمصادمتها للمنهج السلفي [3]. وحسن حنفي وزمرته العلمانيون في مصر قد أوْلَوا تراث المعتزلة - القائلين بخلق القرآن - عنايةً، وجعلوه منطلقاً لهم لهدم الاتجاه السلفي. ويذكر حسن حنفي أنه يهتم بالمعتزلة من أجل وعي حضاري حديث، ومن أجل الخروج من الإيمان السلفي، وله ثناءات عليهم، ويتخذ منهم وسيلةً لترسيخ العلمانية والدعاية لها [4]. وبنحو هذا سار نصر أبو زيد، الذي جعل عقيدة المعتزلة في خلق القرآن مَطِيَّةً ليقول بأن القرآن ليس من عند الله، وإنما هو نصٌّ إنسانيٌّ مخلوقٌ مثل المسيح، وأن نصوص القرآن لغوية بشرية كغيرها من النصوص، وقد امتدح المعتزلة واعتبرهم مبدعين!!
(1 تقييمات) له (4) كتاب بالمكتبة, بإجمالي مرات تحميل (4, 528) كاتب ومفكر وأحد أبز دعاة الإصلاح في الوطن العربي. نشأ وتلقى العلم في مدينة أبها بالسعودية, حيث درس في المعهد الشرعي بأبها. وفي الثلث الأخير من الثمانينيات ذهب إلى أميركا لمواصلة الدراسة, وحصل على شهادة الماجستير, ثم التحق بجامعة لندن ليحصل على الدكتوراة وكان بحثه حول الوقف في فترة تأريخية محددة من القرن الثامن عشر في الجزائر. أسس ومجموعة من الدعاة والناشطين في مجال العمل الإسلامي (التجمع الإسلامي في أميركا الشمالية) واختير رئيساً له. وفي عام 2002م رجع إلى السعودية, حيث شغل منصب مستشار النشر والترجمة بمكتبة العبيكان, والآن يقيم في قطر. كان لإقامة الدكتور الأحمري في الغرب لسنوات عديدة, دور هام في الإطلاع على الفكر الغربي عن قرب, مما أهله لنقد الثقافة الغربية بناءً على معرفة وإحاطة بمكونات الفكر الغربي. للدكتور الأحمري العديد من المقالات والدراسات المنشورة, وكذلك المشاركات الإعلامية في قنوات عربية مشهورة, كالجزيرة والعربية وغيرهما. كما يشرف الدكتور الأحمري على مجلة (العصر) الالكترونية الشهيرة. ويتسم فكر الدكتور الأحمري بالعمق, والإحاطة الدقيقة للموضوعات التي يطرحها, ويلتمس قارئ كتبه الاطلاع الواسع واللغة الرائعة لدى الدكتور الأحمري.